متى يعود أبي؟


فكرية شحرة

 ما أن سمع الكبار يرددون عبارة: "سيطلقون جميع المعتقلين"، حتى تغير حاله تماما. أصبح يستيقظ بحماسة افتقدها منذ اعتقال أبيه. يرى كل صباح هو ذلك الصباح الذي سيشرق فيه والده بعد أن غاب عند دارهم ذات مساء.
 
يذاكر دروسه، وينفذ كل ما تأمر به والدته برضا، وهو يقول لها كمقايضة مشروعة: ستقولين لأبي أني كنت رجل البيت ومطيعا لك؟
 
يحرص أن يكون هو من يفتح الباب لكل طارق، ثم تعلو ملامحه خيبة، يداريها كل مرة بنظرة أمل وترقب لإطلالة وجه أبيه من بين ضفتي الباب.
 
في المدرسة قال لصديقه الأقرب "سعد": لا داعي أن يشتري والدك حقيبة مدرسية من أجلي بدلا من حقيبتي الممزقة، أبي سيعود ويشتري كل ما أحتاجه.
 
كتب على ورقة مقوى عبارة ترحيب: "أنا سعيد أنك ستعود يا أبي أكثر من سعادتي بكل عيد"، وعلقها على جدار الغرفة.
 
يلاحق جدته من حجرة إلى أخرى، رافعا ثوب صلاتها الطويل، كي لا تتعثر ويسألها ذات السؤال: "هل قالوا متى يا جدتي" ؟! ربما يشعر أن جدته المسنة جدا تشبهه في هذا الشوق والترقب. لا أحد مثلها يحب أن يكرر هذا الخبر على مسامع الجميع في كل وقت، كجرعة ماء عند العطش لحضور الأبن البار.
 
"جدتي هل قالوا متى سيتركون أبي" ؟ فترد الجدة بزفرة تقتلع الدموع من عينيها قائلة: "ادع لأبيك بالفرج يا ولدي". فيرفع كفيه برجاء: يا رب يرجع أبي بسرعة.
 
يغضبه هذا الانكسار في نظرات والدته، كلما حدثها عما يريد فعله مع أبيه حين يعود، ويداخله الخوف من شرود نظراتها التي لا تستقر على وجهه: هل سيتركون أبي كي يعود يا أمي؟
 
"ما زالوا يتفاوضون على ذلك. سيتركونهم حين يتفقون" ترد الأم بحزن.
 
يستخرج ثياب أبيه المطوية في الأدراج وهو يقول لوالدته: يجب أن تكوى الأثواب وتعلق حيث كان يشجبها أبي. سيحتاجها حين يعود كي نذهب لصلاة الجمعة مثل صديقي سعد.. هل اتفقوا يا أمي؟
 
ترد الأم بضيق: ليس بعد. ثم أن اطلاقهم سيحتاج وقتا طويلا قليلا.. تحلى بالصبر والدعاء يا صغيري.
 
ترتسم ملامح الخيبة والصدمة على وجهه وهو يهرع إلى جدته هاتفا: متى يا جدتي؟ فتقول بصبر: عندما يرضي الله يا ولدي. فيصرخ منتحباً: لكن الله لم يرض أن يأخذوا أبي بعيدا عني منذ البداية يا جدتي !
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر