هل يتفقون في ستوكهولم؟


محمد علي محروس

من المفترض أن يصل وفد المفاوضين الحوثيين اليوم إلى العاصمة السويدية ستوكهولم، لكن رفض تسفير خمسين جريحًا يحول دون ذلك حتى الآن، فالحوثيون كالمرة الماضية يُصرّون على تحقيق هذا الشرط لحضور المباحثات الأممية، في ذات السياق ترى الحكومة الشرعية أن هؤلاء الجرحى ليسوا يمنيين، بل من حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني ومليشيا شيعية إقليمية تتوافق مع مليشيا الحوثي في المعتقد، وأن تسفيرهم للخارج لا يعدو عن كونه استجابة لمطلب المتمردين الذين يستعينون بخبراء من مكونات مماثلة لهم في التشكيل المليشاوي وفي الخزعبلات الاعتقادية.

وسط متاهة الخمسين جريحًا، والتجاذبات البينية بين طرفي الصراع والمفاوضات، فشلت جنيف 3 قبل أن تبدأ، وحتى اللحظة، إلى ذات المصير تذهب مشاورات ستوكهولم؛ فالوفد الحكومي بحسب سياسيين لن يحضر قبل وصول وفد المليشيا، ويرى أن ما حدث في جنيف3 كافيًا، قبل الولوج في حلقة جديدة من الصراع السياسي مع الحوثيين المدعومين من قوى إقليمية ذات باع طويل على مستوى صناعة وتصدير النزاعات المسلحة في بلدان المنطقة.

مطلع ديسمبر قال مصدر في الخارجية السويدية: إن بلاده مستعدة لاحتضان أي مشاورات ستنهي الصراع في اليمن، لكنها لم تتلق أي إشارة نهائية من قبل الأمم المتحدة حول الموعد المحدد، وأن ذلك ما زال معلقًا حتى الآن.

إلى ذات التوجه ذهب وزير خارجية بريطانيا، الذي قاد حملةً إقليمية بين الرياض ومسقط وأبو ظبي وطهران؛ لصناعة توافق حول عقد المباحثات في حينها، توّجها بمؤشرات من الطرفين تؤكد قبولهما المبدئي بذلك، بدءًا بتوقيف معركة الحديدة، ووصولًا إلى إعلان الحوثيين توقيف استهداف العمق السعودي بالصواريخ الباليستية، ومؤخرًا، استئناف الرحلات الجوية لمطار صنعاء تحت إشراف أممي.

حتى بومبيو، وزير خارجية ترمب، أشار إلى ذلك في بيان مقتضب، ما يؤكد أن هناك إرادة دولية لإنهاء الصراع اليمني، ووضع حد له بإيجاد حل توافقي نهائي، يُرضي الأطراف المحلية، والقوى الإقليمية المساندة لها، وإن قالت أمريكا، فاعلم بأنها حركت المياه الراكدة، واكتفت مما جرى إلى الحد الذي وصلت إليه الأحداث، وسط معطيات إقليمية عدة على رأسها قضية مقتل خاشقجي.

بعد كل هذا التفاعل من القوى العالمية الكبرى، يُفترض أن يعلن الوسيط الدولي – الأمم المتحدة- عن موعد نهائي لبدء المشاورات، ويحمّل الطرف المعرقل حتى اللحظة كافة ما قد يترتب على فشل عقدها، وليس كما حدث في جنيف3.. وما يحدث اليوم من محاولات استرضائية مضنية لإقناع الحوثيين على الحضور والتفاعل مع المقترحات الأممية المدعومة دوليًا، وذلك معرض للفشل؛ بالنظر إلى أوليات ما يترتب على عملية الاسترضاء والدعم الدولي لعقد المشاورات، وحالة التعقيد التي يصطنعها المتمردون الحوثيون من مباحثات إلى أخرى.

في عموم المشهد، فإن التحركات لا تسير بالطريقة المخطط لها، حيث لا يبدو الحوثيون مستعدين لحضور هذه المشاورات، وإن حضروا فإنهم سيدأبون على إفشالها كالمرات السابقة، وذلك بعد أن فقدوا مناطق عدة على الأرض، وبعد فشل تسويق مظلوميتهم المزيفة أمام العالم، رغم المحاولات المكثفة لذلك، أما الحكومة الشرعية فإنها تلعب على عاملي الأرض والوقت، فعلى الميدان قواتها هي من تمسك بزمام الأمور، وهي المُبادرة للهجوم في حالةٍ تًبَرهِنُ عمليًا التفوق العسكري المحسوب مؤخرًا، فتتربص بالحديدة على تخومها، وتواصل عملية الضغط العسكري شمال صعدة ووسط البيضاء، إضافة للمساندة الإقليمية من دول التحالف العربي، والاعتراف الدولي بها كممثل شرعي للشعب اليمني، فيما الحوثيون فإنهم ذاهبون كعصابة متمردة عليها أن ترضخ في نهاية المطاف للمرجعيات الدولية، وأن تُظهر حسن النية للانخراط في عملية سياسية واسعة، ما لم فلا حل سوى إعادة التنشيط العسكري للجبهات، واستعادة السيطرة على كافة المحافظات التي لا تزال تحت سيطرتهم.

في اعتقادي أن مشاورات ستوكهولم لن تعدو عن كونها جولة جديدة لإطالة أمد الصراع؛ فالمليشيا تنتهز هذه المحاولات الأممية لترتيب صفوفها، والتقاط أنفاسها، وإعادة تموضعها عسكريًا، وذلك من أجل المواجهة وعدم الاستسلام، وتنظر لهذه المشاورات، كفترة توقف قسري، فُرضت على الشرعية وقواتها، ومنحتهم الضوء الأخضر، لاستعادة معنوياتها، والهجوم من جديد، وقد شاهدنا ذلك خلال المباحثات السابقة، وكيف كانت تستهدف تعز ومأرب وتُشعل الجبهات العسكرية بمواجهات كبيرة أثناء انعقاد المشاورات، في خرق واضح للتوافق المعلن، وذلك ما يدل على التوجه الإجرامي للمليشيا، مع سبق الإصرار والترصد.

لا تبدو الصورة مكتملةً حتى النهاية، فعلى الرغم من حالة التجييش الدولية والأممية لدفع الأطراف لحضور المشاورات، إلا إن هناك أسئلة عالقة على رأسها: هل سيحضر الجميع هذه المباحثات؟ وإن حضروا، فهل سيتوافقون؟ أم أنهم كما جرت عادة كل مفاوضات سابقة، يخرجون بالتراشق والاتهامات المتبادلة؟

أمام كل هذه المفردات الغير واضحة المعالم لمشاورات ستوكهولم، يظل الشعب اليمني مكتويًا بنيران الحرب العبثية المفتعلة، يواجه بسببها أسوأ أزمة إنسانية في العالم، فيما مسؤوليه لا يأبهون لشيء من هذا، ففي صنعاء عصابة فيد وأسواق سوداء ومقصلة موت توزعه في أرجاء البلاد، وفي عدن نواة دولة تخوض معركة إثبات الذات، لتكون أو لا تكون، وفي خارج البلد متاجرون باسمنا يأكلون الأخضر واليابس، تحت لافتة إنقاذ اليمنيين، فلا السياسة نجحت، ولا جهود العالم؛ لوضع حل ينهي أزمة طال أمدها.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر