توقعات صائبة


نور ناجي

 كان ذلك قبل الحرب بسنوات. تقريباً مع نهاية أحداث فبراير، والتي انتهت بتوقيع المبادرة الخليجية. كنت في جلسة صغيرة مع بعض صديقاتي، قادتنا حواراتنا للإحداث في اليمن والتوقعات المتشائمة التي تنبئ باقتراب قيام حرب وشيكة. شعرت بالضيق وحاولت قطع الحديث أو تغيير مساره، إلا أني فشلت. فتابعته بحنق محدثة نفسي: "إن كان الطريق سيقودنا للحرب، فما الداعي لاستعجالها بالتنبوات!" ..
 
كانت روح الفكاهة مسيطرة على الأجواء، كل من فيها يتخيل مآل مصيرنا حال قيام الحرب فعليا. لم نكن من السذاجة لنتوقع أن حدود جيراننا ستفتح للاجئ. قد يفرض الجيران مبادرات؛ تسويات تضمن عدم الازعاج في المنطقة، وحفظ توازن قوى مريح بالنسبة إليها، لكن كرمها سيتوقف بعد ذلك على مساعدات إنسانية تُلقى من خلف الحدود، تريح الضمير وتحفظ المظهر العام أمام العالم..
 
اعطتنا تجارب الدول المنكوبة، التي سبقتنا، بعض من الحكمة. فلم نغلق علينا الأبواب المستقبلية للدول الفقيرة نسبياً. فالعلاقات بين الدول قريبة الشبة من الارتباطات البشرية. من تذوق الوجع، سيحاول التخفيف عنك بالكف عن آذاك، على الأقل. وترك بصيص من منافذ تبقيك على قيد الحياة.
 
ويبدو أن تلك التوقعات لم تكن بعيدة عما حدث فعلاً، ونحن نرى مئات الآلاف من اليمنيين متفرقين في كل من دولتي مصر والأردن.
 
كان المسلي في حديثنا الإجماع على أن الصومال ستكون ملجأ آمن!!. لعل ذلك يرجع لتهديدنا المتواصل بـ"الصوملة"، أو لنظرات دهشة الجالية الصومالية، التي تضرب كف بكف وهي تسترجع بدايات نكبتها ومقارنتها بالمسلسل اليمني الذي تعيشه. تسألت حينها: هل رفقت اليمن بأهل الصومال، أم سندفع غالياً ثمن لجؤنا المتوقع؟ خاصة وأن شهاداتنا، في بلد نفتقد للغته، لن تكون ثروة تغري أحد باستغلالها !
 
ومرت السنوات، لتتحقق نبوءة كان يخشاها الجميع: استلقت الحرب على اليمن بتكاسل، ونحن تحت رحمتها عاجزين، تخرج لنا لسانها بين الحين والآخر، وهي تلاعبنا بين أصابعها ككرات "بلي" زجاجية ..
قُتل الآلاف، وشرد مثلهم. ومن لم يتمكن من الفرار، بعد أن سدت عليه أبواب الهجرة، تعلق على القضبان المحاصرة لليمن بانتظار المجهول..!
 
مازالت أعيننا تلتفت بين الحين والآخر إلى الصومال، ليس لتعلم لغة مفقودة، أو البحث عن ملاذ، بل لتوقع ما قد يخرجنا من الحرب عبر استنساخ طريقتهم في النجاة. وقد تأكد لي أننا شعب يجيد التوقعات المستقبلية، دون أن نمتلك الأجوبة الصحيحة عن أسئلة الحاضر..!
 
لا يحمل اليمني، عموما، طبع التشاؤم. على العكس من ذلك. لكن طبول الحرب، التي لم تتوقف، أجبرته على ذلك، ولم تشفع له سخريته من نفسه أمام أيامها.
 
للأيام ذاكرة قوية، وطبائع ثابتة، لا تنزعها عن نفسها. إحداها مبادلة السخرية بأقسى منها. لعلنا نتوقف بعد هذه الحرب عن التنبؤات المتشائمة، وقد تعلمنا عدم المزايدة عليها..
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر