الرجل الذي أذاق ملايين اليمنيين سوء العذاب عبر لجانه الثورية، والمطلوب الثالث للرياض حليفة واشنطن، أصبح كاتبا مثقفا ينشد السلام عبر مقال مهذب في كبرى الصحف الأمريكية، الواشنطن بوست.
 
تحدث محمد علي الحوثي عن السلام، وانتهاكات "العدوان"، وهي اسطوانة يكررها الحوثيون دائما، لكن اللافت في ما كتبه، هو أن السعودية دولة متوحشة قتلت خاشقجي، ومنعت الصحفيين اليمنيين من تغطية ما يحدث على الأرض، مع أن الجميع يعلم ما فعله الحوثيون بحق الصحافة اليمنية وصحفييها من مآس يندى لها الجبين، لدرجة أن زعيم العصابة عبدالملك تحدث صراحة في كلمة له أن الصحفيين أكثر خطرا على عصابته من حملة البنادق.
 
الواشنطن بوست لديها حساب لم يغلق مع السعودية بسبب اغتيال "جمال خاشقجي"، وعدالة هذه القضية تتنافى مع استضافة شخص تورط في معاناة الملايين، وضيق الخناق على الصحفيين، لمجرد أن لديه موقف عدائي مع قتلة الشهيد جمال خاشقجي.
 
الصحافة الأمريكية بشكل عام، تحولت إلى منظفات لقذارة العصابة الحوثية، حينما تتطرق إلى جرائم التحالف العسكري لدعم الشرعية، وتتناسى جرائم الحوثيين، وهي في ذلك تعكس بشكل عام توجه السياسة الأمريكية الداعم لإبقاء الحوثيين لاعبين رئيسيين في المشهد اليمني، وحلفاء غير معلنين للولايات المتحدة في مكافحة ما يسمى "الإرهاب".
 
من يعتقد أن الولايات المتحدة تهدف من خلال دعمها للتحالف العسكري الداعم للشرعية، إلى القضاء على العصابة الحوثية فعليه أن يعيد قراءة التاريخ لمعرفة طبيعة العلاقات بين الطرفين، ومعرفة أماكن الاتفاق أو الخلاف بينهما.
 
يتخذ الحوثيون من الموت لأمريكا وإسرائيل واللعنة على اليهود، شعارا لحركتهم، وهو شعار لا وجود له في واقع الحركة العملي منذ تأسيسها، والسبب ببساطة هو أن الشعار لا يعدو عن كونه جملة دعائية لاستجلاب التعاطف الشعبي والجماهيري، وهذا باعتراف الحوثيين أنفسهم ولو بصورة غير مباشرة، ومن ذلك تصريحات يحيى الحوثي قبل سنوات عندما سئل عن الشعار فأجاب بالحرف الواحد: "نحن لانعادي أمريكا ولا إسرائيل، ولسنا مؤهلين لأن نواجههما".
 
بمقابل العداوة التي يعلنها الحوثيون للولايات المتحدة، قدم الحوثيون خدمات جليلة للولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، لعل أبرزها القضاء على معهد ودار الحديث بدماج وجامعة الإيمان في صنعاء، وهما مؤسستان حاضنتان للتطرف والإرهاب بالنسبة للحوثيين والأمريكان على حد سواء، فضلا عن تدمير دور الحديث وتحفيظ القرآن في أكثر من محافظة يمنية، وهو مايتسق مع الرؤية الأمريكية في الحرب الفكرية ضد هذه المراكز في أكثر من بلد إسلامي.
 
بمقابل هذه الخدمات الجليلة، سمحت الولايات المتحدة للحوثيين بالتمدد في الأراضي اليمنية، والسيطرة على مؤسسات الدولة، ولا ننسى أن الحوثيين سيطروا على مدينة رداع أواخر 2014 بإسناد جوي من الطيران الأمريكي، بعد أن عجزوا عن إسقاطها بمفردهم، كما لا ننسى الصفقة الأمريكية الحوثية في مارس/2016، التي أفضت لمغادرة مجموعة من يهود اليمن باتجاه الأراضي المحتلة الفلسطينية، ومعهم مخطوطة توراتية قديمة.
 
العلاقة بين الحوثيين والولايات المتحدة أقرب إلى كونها علاقة منفعة متبادلة، ولو كان الحوثيون يشكلون خطرا على مصالح الولايات المتحدة، لرأينا تدخلا عسكريا مباشرا كما حدث مع طالبان في أفغانستان، ونظام صدام حسين في العراق، فالولايات المتحدة لاتهمها الشعارات الرنانة، وإنما وجود فعل حركي مهما كانت محدودية تأثيره على مصالحها.
 
الولايات المتحدة لن تسمح بالقضاء على الحوثيين، أو إقصائهم عن المشهد في حال التوصل لتسوية سياسية، لعدة أسباب منها ثقتها بدورهم في محاربة الإرهاب وفق التصنيف الأمريكي، ولأنهم أقلية متماسكة يمكن السيطرة عليها وتوجيهها، بعكس الأغلبية المشتتة الموزعة ضمن تكتلات وجماعات دينية وسياسية، إضافة لوجود رغبة أمريكية في تنويع وكلائها المحليين للحفاظ على مصالحها في المنطقة.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر