الجوع والحرب


ياسر عقيل

لا أبشع من أن يعيش الإنسان الجوع والقهر ومصادرة الحرية وغياب الحد الأدنى من الأمن والاستقرار، وكأن الحياة قذفته إلى غابة موحشة يحكمها كائنات لا تعرف سوى الافتراس كوسيلة وحيدة للتعامل من بقية الكائنات، تلك هي الصورة التعبيرية عن المواطن اليمني الذي يعيش أسوا أزمة إنسانية في العالم تتفاقم بشكل يومي.
 
تستمر الحرب في اليمن بلا نهاية ومعها تخلف مأساة متراكمة يعيشها الملايين من الناس الذين لا يكترث لمصيرهم أحد من أولئك الذين يعتقدون انهم يقاتلون من أجلهم، وهم يبحثون فقط عن أموالهم وأبنائهم للقتال لأجل القيادات المتحاربون والذين لم ينالوا أذى في معيشتهم اليومية، بل استطاعوا الحصول على مكاسب مادية كبيرة من الحرب وبعضهم أصبح ثرياً.
 
قيادات طرفي الحرب يعيشون حالة من الرخاء بفعل الأموال الكثيرة المتدفقة إلى أرصدتهم وخلال الحرب فتحو مشاريع استثمارية وشركات وحصلوا على منازل فارهة في الداخل والخارج، فالحكومة وموظفيها يحصلون على رواتب ومكافئات عالية بالعملات الأجنبية، في حين يسيطر الحوثيين على كل إيرادات المحافظات التي تحت سيطرتهم بالإضافة إلى الجبايات والتي تعد الدينامو المحرك لاستمرار قتالهم وصمودهم، وما بينهما مواطن تسحقه الأزمات وصعوبة المعيشة.
 
لا يؤثر هبوط العملة الوطنية وارتفاع الأسعار على المسؤولين في الداخل والخارج المتخمين بالمال بل تعطيهم مادة إعلامية يستطيعون من خلالها إلقاء التهم على بعضهم في التسبب بهذا الوضع، في حين لا يتحمل أحد منهم المسؤولية باعتبار كلا الطرفين يملكان حكومة تدير مناطق سيطرتها، وكأن الحكومتان الفاشلتان تم تشكيلهما للتبرير، والحصول على رواتب باهضه مقابل ذلك فقط.
 
الاستمرار على هذا النهج في تجويع الناس يعد ضمن تقنية الحرب الممنهجة ضد اليمنيين بشكل عام من قبل المتحاربين والذين يعتمدون على التجويع لإخضاع الناس لسياسية الحرب الطويلة التي من خلالها يتحرك الشارع بطريقة أو أخرى للرفض، لكن ما يجري لا يندرج في سياق هدف محدد إنما مجموعة أهداف وعدة أطراف متناقضة تدخل في هذا السياق، لكن الإفقار والتجويع يخدمهم جميعاً على حد سواء.
 
ما أرخص حياة اليمني عندما يصح القتلى والجوعى، والنازحون أرقاما بلا أسماء في تقارير الأممي المتحدة والمنظمات الحقوقية التي استطاعت خلال الحرب تحصيل الأموال للفقراء والجوعى، ومساعدتهم بالفتات من أروقة المكاتب الفارهة والسيارات المدرعة والموظفين الذين يتقاضون الرواتب العالية، وحولوا أحلام الناس الكبيرة إلى مجرد سلة غذائية في طابور الإذلال الطويل.
 
تعقد الحياة المعيشة أنست اليمنيين أسباب الحرب والتي كانت الحرب في البداية من أجل الدولة غير أن امتدادها لسنوات، أظهرت عليها أجندات أخرى للحرب، وتحولت المعارك في الجبهات إلى عملية استنزاف طويلة الأمد يقتل فيها الجنود من الجيش، وفي المقابل أيضا خسائر في المقاتلين دون جدوى أو أي تقدم ميداني حيث لم يعد بمقدور الحوثيين كسب مزيداً من الأرض كما كان في بداية الحرب.
 
لا يرغب المساندين للقوات الحكومية بنصر عاجل يمكنها من إنهاء الحرب وتطبيع الحياة دون أن يمسك زمام المستقبل كضمانة للهيمنة الطويلة، وانكشفت تلك الأجندات سريعاً خلال العاميين الماضيين حيث تم خلق سلسلة أزمات كانت تظهر ما بين الحين الآخر في العاصمة عدن وعدد من المحافظات الجنوبية، ويدفع ثمن هذا الشعب الذي يتكبد المأساة وحيداً بلا دولة.
 
هبوط العملة وارتفاع أسعار المواد الأساسية يعد إلى الآن آخر الأثقال الذي يتحملها المواطنون، وقبلها انقطاع الرواتب والخدمات كاملة بالإضافة إلى النتائج التي خلفتها الحرب من بطالة وانعدام للأعمال والنزوح، كل تلك الأزمات شكلت مأساة اليمنين الكبيرة في الحرب الطويلة التي لم تنتهي إلى حد الآن ولا أفق تحدد مدتها الزمنية المتبقية في ظل حالة التمترس والخداع الجارية.
 
رغم أن اليمن تحت البند السابع وفقاً لقرارات مجلس الأمن، لكن ذلك لم ينهي الانقلاب على الدولة حيث يراوغ المجتمع الدولي في التعامل مع الحرب في اليمن، في حين لم يستطع تطبيع قراراته التي تعد من المرجعيات التي تتمسك بها الحكومة، بين هذا الكم الهائل من الخذلان يعيش المواطن اليمني عاجزاً يتحمل كل تلك الأعباء القاسية وحيداً.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر