نكتة الصفحة الأولى


سلمان الحميدي

نفتقر إلى مذكرات وكتب تحكي عن حياة القيادات وأسرارهم، ما يوجد هو نزر يسير يحكي الجانب الجدي من الحياة الرسمية، أشخاص يتحدثون عن وظائفهم ومواقفهم بمبالغة أخلاقية، التفاصيل باردة تصيب القارئ بمقتل في الصفحات الأولى، المهتمون بالتاريخ يستطيعون ختمها للإلمام بأحداث حدثت في حقبة الأحمر أو أبو لحوم، أو الكتب التي تضع في صفحتها الأولى الإهداء للزعيم علي عبدالله صالح!.
لا نعرف طباع الرؤساء، ولا فضائحهم، ولا ما يأكلون وما يحبون.
ولا نعرف عن طبيعة الضحك في حياتهم شيئًا.
الضحك سلاح المكبوتين ومقدمة الثورات، ومن ناحية علمية يساعد الإنسان للتخلص من مخاوفه وزيادة الإنتاج، أكثر السخرة الضاحكين حظوا بأجمل النساء، ومثل الشعوب يستخدمه الحكام.
اشتهر أبو دلامة في العصر العباسي، كانت وظيفته إضحاك الخليفة والتهكم من الآخرين، عاصر ثلاثة خلفاء بذات الوظيفة، وعندما لم يجد ما يضحك البلاط هجا نفسه:
ألا قبحت أنت أبا دلامة
فلست من الكرام ولا كرامة
إذا لبس العمامة قلت قردًا
وخنزيرًا إذا خلع العمامة
حظي علي صالح بالكثير من "الدلاميين"، لكنه لم يكن يستذوق النكتة، بل كان يصنع المقالب للضحك على الآخرين. هذه السمة في حياة الرئيس انعكست على طبيعة الحكم، وطبيعة الخاتمة، نهاية كما لو أنها مقلب، مزاح ثقيل كما لو أنه تحول في آخر ثانية إلى جدية قاتلةٍ أودت به على يد حليفه.
كل ما نعرفه عنه، في الجانب الضاحك، بأنه كان يتصل لمجموعة من الأشخاص ليسألهم عن آخر "المقالب الضاحكة" لا لسماع النكت.
التنكيت غير "الدلامية"، والنكتة لا تحول ملقيها إلى دلامي جديد يسترزق من طبعه وإن استخدم لغة الجسد وحرك يديه ودماغه وكرشه.
أرسل لي أحد الأصدقاء صفحتين من كتاب "الكبار يضحكون" لأنيس منصور، وقد اكتشفت نزرًا من طبيعة الرئيس السلاّل، نحن لا نعرف طبائع رؤسائنا، وفي القرية يسألني أحد الأصدقاء: منوه هذا السلال؟ الفترة التي جاء فيها المشير السلّال تجعلنا نتصور أن الرئيس ينبغي أن يكون بعيدًا كل البعد عن الضحك، اغتيال، انقلاب، اغتيال.
فحوى ما جاء في الصفحتين، أن المشير اليمني كان يتلقى العلاج في القاهرة، وفي كل ليلة يسافر الفنان الكبير إسماعيل ياسين من الإسكندرية إلى القاهرة لإلقاء النكتة ذاتها للرئيس السلال، قرر إسماعيل ألا يذهب حتى جاءه أحد ضباط الأمن ليقول له: الرئيس عبدالناصر يرجوك أن...
فرد إسماعيل ياسين: يرجوني الرئيس، يا خبر اسود، دا أنا أروح عريان ملط يا راجل.. وإذا السلال لم يضحك فتحت فكيه وحشرت النكت في حلقه حتى يموت من الضحك.. ها..ها.
عانق السلال إسماعيل ياسين، وتوسل له أن يقول النكتة التي سمعها منه مائة مرة.
أنا مستأنس بطبع الرئيس، لا أعرف ما إذا كانوا قد اغتالوه أم لا؟ لا أعرف إن كان قد مات أو مازال على قيد الحياة؟
النكتة المذكورة في الكتاب والتي كان يسمعها السلال دائمًا، تمس من حياة الرئيس أي رئيس، ومن ترقب الشعب لنهايته، تقول:
"واحد اعتاد أن يجلس على المقهى، وينشر الصحيفة أمامه ثم يبصق عليها ويلقي بها على الأرض، فجاءه أحد رواد المقهى وقال له: لا مؤاخذة يا أستاذ، أنا لم أعرف قارئًا أغرب منك، أنت بالضبط ماذا تقرأ في الصحيفة وبسرعة تلقي بها على الأرض وتدوسها بالجزمة، لقد راقبتك أسبوعين!
فقال له الرجل: إنني أقرأ صفحة الوفيات..
ــ لكن صفحة الوفيات في الداخل.
ــ أعرف.. ولكن اللي في بالي لن يموت إلا في الصفحة الأولى!.".
 
لنفترض أن رجلًا قال هذه النكتة لعبدالملك الحوثي، ومع أن الحوثيين قد أعدموا الصحف تمامًا، إلا أن تحوير النكتة سهل، مواطن يشاهد قناة المسيرة بشكل يومي ثم يرمي الريموت ويبصق في وجه القناة، اللي في باله ستظل القناة تقرأ القرآن عليه أربعين يومًا، بل ربما تتوقف عن البث.
لم يعد لنا من متنفس غير الفيس بوك، هناك تنشر بببلوجرافيا البلد وبعض معلومات حول أناس لا يعرفهم أحد، لا صحف، لا مجلات، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ندخل مترقبين لموتى اللي في بالنا، من في خلدنا سيكتب عن الجميع عنه وسيدخل الويكيبيديا، سيحصد اللايكات، لكن للأسف لا نجد في الفيس بوك غير نعي أنفسنا، وهذا بالنسبة للمخولين على البلاد أمر مضحك.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر