أطفالنا والحرب


فكرية شحرة

 في بادرة كريمة مني، أخذت أطفالي الصغار إلى حديقة السلام في مدينة السلام إب ..
 
مؤخرا ينتاب الشخص شعوران كل منهما أقسى من الأخر. الأول تأنيب الضمير لأدنى مظهر من مظاهر الراحة في حياتك، وإن كانت رحلة يتيمة في حدودك المخنوقة سيرا على الأقدام من أجل تسلية أطفالك والقيام بواجبك نحوهم.
 
رغم أني تعودت كلما تذمر أطفالي أن أذكرهم بمن لا يجد قوت يومه؛ أو من لا يجد ما يستر عريه شتاء أو صيفا؛ بمن تشرد بلا مأوى في نزوح إجباري.
 
يحتزك الألم حين تتذكر أطفال أبرياء يعانون ويلات الحرب في المناطق المشتعلة كتعز أو الحديدة وصعدة. قد نشاركهم كل شيء ..الألم .. الجوع ..الخوف ..لكنهم يموتون وحدهم.
 
الشعور الآخر الذي ينقض راحتك، هو الخوف والقلق من حدوث شيء فجأة، يحيل نزهتك إلى كارثة. فنحن في بلد حرب، نعيش فوضى عارمة بلا قانون أو أمان.
 
يمكن هكذا فجأة، كما حدث سابقا، أن ينوي التحالف ارسال صاروخ إلى الاستاد الرياضي في إب، والذي تقع الحديقة داخل أسواره.
 
ويمكن لأفراد المليشيا، الذين يقطنون الصالة الرياضية الملاصقة للحديقة، أن تنشب بينهم معركة بالسلاح على غنائم سرقة في حملة نهب. فلطالما اتفقوا على النهب واختلفوا على القسمة.
 
يكفي قلقا، أن بوابة الحديقة التي تعتليها لوحة مكتوب عليها "حديقة السلام"، يفصلها جدار اسمنتي صغير عن بوابة الصالة الرياضية الذي تعتليها لوحة كبيرة كتب عليها شعار المليشيا الموت؛ ثم الموت، حيث يتمترس حراس مدججون بالسلاح لحراسة الصالة المكتظة بالسلاح. 
 
يمكن أن يأتي إلى الحديقة أشباه رجال، كما هو معتاد ودارج في فوضى مدينة إب، ويمازحون بعضهم بأطلاق الرصاص لتعزيز الرجولة الناقصة، لتصطاد رصاصاتهم أجساد الصغار كما حدث في حديقة جرافة.
 
يمكن أن يمر موكب زفاف، زغاريده رصاص حي، فتمطر السماء رصاصا طائشا ..!
 
الأطفال هم أكثر ضحايا الحرب وجعا لنا. فالطفولة في اليمن تراوح بين حالين: الأول، حال أولئك الذين تزج بهم المليشيا في الحرب كمجندين، أو الذين يسقطون قتلى في قصف أو قنص، قد اغتيلت طفولتهم في أشد جرائم الحرب قسوة وبشاعة.
 
والثاني، حال أولئك الذين هشمت الحرب أرواحهم وسلامهم، وحرمت الملايين منهم من التعليم والدراسة المنتظمة، وجعلتهم تحت طائلة الجوع والمرض كأضعف الفئات؛ انعكست عليهم علل نفسية وصحية وتصرفات لا تمت إلى الطفولة بصلة؛ صارت ألعابهم حرب وقتل؛ وكلماتهم موت وشهادة؛ إنهم جيل الحرب الذي ولد على أصوات القصف والرصاص.
 
فأخبار الحرب والدمار التي يلتقطونها من أفواه الأهل، تنعكس على سلوكهم خوفا وقلقا وتمسكا بالحياة، خشية أن يتخطفهم الموت.
 
نسبة هائلة من اليافعين، منهم من يتمنى الالتحاق بالجبهات لكلا الطرفين، رغم الأعداد الهائلة للذين يذهبون ولا يعودون...!!
 
حتى المظهر الخارجي للشباب، أصبح ذلك المشهد الدارج للمقاتلين: شعر طويل مبعثر وأغبر كحال مستقبلهم.
 
الأوبئة والأمراض التي غزتنا بفعل الوضع المتردي، كان أغلب ضحاياها من الأطفال تحت سن الثامنة عشرة.
 
ارتفاع نسبة الجرائم الفردية ضد الطفولة، كأنما لا تكفيهم جرائم الحرب التي ينالون منها النصيب الأوفر.
 
الطفولة في اليمن غائبة دوما؛ تلوح ملامحها الباهتة في نسبة ضئيلة أمكنهم أن ينعموا بطفولة حقيقية؛ أما غالبية أطفال اليمن فطفولة محرومة مسحوقة كوطنهم.


*المقال خاص بـ "يمن شباب نت"

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر