في الأيام الأولى التي انطلقت فيها عاصفة الحزم أحسسنا، كثوار ومقاومين، أن دول الخليج العربي ممثلة بالتحالف لاستعادة الشرعية قد ادركت أهمية استعادة اليمن مع الحفاظ عليه ككيان يستند إلى مؤسسات تضمن بقائه كدولة من أيدي الانقلابيين تحديدا، وهو انقلاب يصب وبشكل مباشر في صالح إيران التي تجهد ليل نهار لتقويض الخليج وتتربص به الدوائر على امتداد حدود دوله المختلفة.
 
لقد شعرنا مع شرارة العاصفة الأولى أن الخلفية التي تنطلق منها السياسة الخليجية تجاه اليمن قد اختلفت بفعل ما تفرضه المرحلة من ضرورة التآزر العربي للتصدي لطموحات إيران في المنطقة، وما يفرضه هذا التآزر والاصطفاف من دعم يرقى إلى مستوى بناء دولة قوية تضاف كرقم فاعل إلى ميزان القوة العربية.
 
 بمعنى أدق أن الخليج قد تجاوز السياسة القائمة على فمرة الحديقة الخلفية، إلى مرحلة تنوع عناصر القوة بدعم قيام دولة يمنية تستطيع أن تقدم دورا على مختلف الصعد في ساحة المعركة مع إيران أو غيرها من القوى التي برزت لها أطماع في الوطن العربي.
 
هناك الكثير من المؤشرات تنبئ بقصور كبير رافق تصدي دول التحالف للانقلاب. هذا القصور في جوانب حساسة للغاية، إذا استمر تجاهلها قد تفشل كل الجهود والانجازات التي تحققت حد اللحظة.
 
 ويأتي على رأس جوانب القصور معاناة الشعب التي تتفاقم يوم بعد آخر، على هامش حرب لا نعرف متى ستحسم؟ ولا يتكهن أحد إن كانت ستتوقف قريبا؟ معاناة بلغت حدا لا يطاق. وأعتقد أن لصبر اليمنيين على ما هم فيه من ألم ومعاناة حدود تتوقف عندها. وأن انتفاضة جياع في وجه الجميع قد تكون واردة، ما دام الوضع ينتج المعاناة على هذا النحو دون أي حلول من قبل التحالف والشرعية.
 
 وحين تندلع ثورة الجياع، قد تتغير معها محددات الوضع واتجاه المعادلة، التي قد تصب في اتجاه لا يرضي التحالف إطلاقا. واضح جدا أن التحالف ركز جل اهتمامه على المعركة السياسية، متجاهلا معركة إعادة بناء وتفعيل مؤسسات الدولة في المناطق المحررة. كما أنه لا يملك أي تصور للحفاظ على مستوى اقتصادي في اليمن يمنع انتشار المجاعة ويحافظ على قيمة العملة.
 
 وما دام التحالف يتحرك في اتجاه واحد، دون بقية الاتجاهات سالفة الذكر، فأن شعور الناس بأنه يخوض معركته بمعزل عن همومهم، قد يدفعهم لتحديد موقف منه، وسيدفعهم تحت تأثير غريزة البقاء التي تتهدها المجاعة والأمراض القاتلة، للبحث عن خياراته النضالية والتي قد لا تأخذ البتة مصالحهم في الاعتبار.
 
واحد من أغنى تحالفات التاريخ على الإطلاق، يخوض واحدة من أهم الحروب، وفي واحدة من أفقر دول العالم، يرفض أن يتحمل تبعات تدخله فيما يتعلق بالأوضاع المعيشية لهذا الشعب المنكوب..! لا بل أن الشقيقة قائدة التحالف لم تستثني مغتربي اليمن على أراضيها من قوانين قضت بترحيلهم! مغتربون يعولون أسرا يفترسها الجوع وتتناوشها الأمراض جراء حرب هم محورها.
 
 وصدقوني أن أبعاد مثل هكذا تصرفات، عائدة إلى غياب الرؤية الواضحة في طبيعة التدخل في الشأن اليمني. كما أنه يعكس جهلا بأهمية اليمن وما يمثله من عمق يمكن أن يكون حاسما في المعارك الفاصلة مع أذرع إيران في المنطقة.
 
وكذلك بالنسبة لهذا الصمت وغض الطرف حيال تهاوي قيمة الريال بوتيرة مخيفة، يؤكد أن تدخلهم لم يكن وفق تفكير استراتيجي يعي أهمية اليمن كدولة وكثابت تاريخي في مصير الجزيرة العربية، بل قائم على ذلك البعد الذي يتعاطى مع الملف اليمني كملحق هامشي لا يفرض عليهم من واجب تجاهه سوى تحطيم أي خطر قادم إليهم من ناحيته.
 
أما الحكومة فقد أخفقت حد الآن في تغذية البنك المركزي من العملة الصعبة. وكان يفترض بها أن تكرس جهودا، بالتعاون مع التحالف، لإعادة تصدير النفط والغاز لتوفير العملة الصعبة، والحد من استنزافها إلى خارج اليمن.
 
 هذه حلول تبدو أمام الحكومة صعبة، لكنها ناجعة. أما اللجوء إلى قروض البنك الدولي، فلن تكون نتائجها سوى مزيد من التضخم وارتفاع المديونية ومزيدا من تدهور قيمة الريال.
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر