سلطة الفوضى إذ تحكم عدن


منذر فؤاد

تعيش مدينة عدن_العاصمة المؤقتة لليمن_ حالة من الفوضى، أسفرت عن مقتل شخصيات دينية وعسكرية، ومحاولات اغتيال طالت شخصيات أخرى، وجرائم أخرى بحق النازحين من جحيم الحرب، وهي حالة تأتي ضمن دوامة الفوضى التي تجتاح المدينة منذ تحريرها من قبضة الحوثيين في يوليو /تموز 2015.
 
تصاعد وتيرة الاغتيالات هذه المرة، يأتي متزامنا مع تواجد الرئيس اليمني هادي في مدينة عدن وأعضاء حكومته، وهو ما يشير إلى أن هناك رسائل معينة تريد خلايا الاغتيال إيصالها إلى الرئيس هادي نفسه، الذي أبدى مخاوفه من تزايد جرائم الاغتيالات، وأرجع الأمر إلى ضعف الأجهزة الأمنية وعدم التنسيق فيما بينها، متجاهلا تورط قيادات في هذه الأجهزة في إرهاب المواطنين، بذرائع أقل ما يقال عنها "تافهة".
 
القيادات الأمنية في عدن وصلت في تقصيرها حد التواطؤ في أداء مهامها الأساسية في ضبط الأمن، وحماية أرواح وممتلكات المواطنين، وتورطت في التنكيل بالمواطنين ونهب ممتلكاتهم وطردهم من أماكن عملهم، وهذه الأساليب اللصوصية لم توقف عمليات القتل ولا موجة الإرهاب التي تجتاح أحياء مدينة عدن، بقدر ما زادت من حالة الاحتقان، ونقمة المواطنين على سلوك هذه الأجهزة التي أضحت أداة للقمع والإرهاب في أحيان كثيرة.
 
الملف الأمني في مدينة عدن، تتولاه الإمارات منذ تحرير المدينة من قبضة الحوثيين في يوليو/تموز 2015، وحوّلته إلى لعبة قذرة تمارس ضد شخصيات معينة، وفي أزمنة وأماكن محددة، فالإمارات تركت المدينة عرضة للانفلات الأمني، واستغلت حالة الفوضى لتصفية حسابات سياسية مع شخصيات وأطراف محلية لا تدين لها بالولاء، وفي نفس الوقت تفرغت لإكمال مشروعها التوسعي في عدن وغيرها من المدن الخاضعة لسلطتها، وأزاحت كل من يقف أو يحاول الوقوف في مواجهة هذا المشروع "الاستعماري".
 
من خلال حوادث الاغتيال الأخيرة التي طالت شخصيات دينية وعسكرية، يمكن تفسير بعض جوانبها بالنظر إلى تزامنها مع تواجد الرئيس هادي وحكومته في مدينة عدن، بعد فترة غياب لهادي قاربت العام ونصف العام، وحضور هادي في عدن يزعج الإمارات كثيراً، ويعيد للأذهان الصراع بين الطرفين الممتد لنحو عامين، ونقطة الخلاف أساسا تكمن في رفض هادي الامتثال للإملاءات الإماراتية، ومساعيه لسحب البساط منها في المناطق المحررة، وهنا يمكن فهم تصاعد وتيرة الاغتيالات على أنها رسالة لهادي بضرورة مغادرة عدن والعودة إلى الرياض، كونه يرفض الخضوع للوصاية الإماراتية ويصر على ممارسة دوره كرئيس للبلاد، وهو ما يتعارض مع التوجهات الإماراتية.
 
كما تهدف الاغتيالات الأخيرة أيضا لإثارة الشارع العدني ضد السلطة الشرعية وتحميلها مسؤولية الانفلات الأمني، في حين أن الواقع يشير إلى أن الإمارات هي الممسكة بالملف الأمني وليس السلطة الشرعية، ومحاولة الإمارات التنصل من المسؤولية الأمنية أضحت لعبة مكشوفة لا يمكن تصديقها، فغالبية القيادات الأمنية تدين بالولاء للإمارات وليس للشرعية،  وشلال شايع خير مثال على ذلك.
 
هناك أيضا من يحاول إلصاق جرائم الاغتيال الأخيرة بتنظيم الدولة، وهذا الأمر لم يعد يلقى قبولا في الوسط الشعبي الذي يتطلع لكشف الحقائق أكثر من أي وقت مضى، والمعروف عن التنظيم في الغالب أنه لا يلجأ لاستهداف أئمة المساجد والخطباء بقدر ما يستهدف شخصيات رسمية، يتهمها بالكفر والردّة، إضافة إلى إن التنظيم يتبنى بكل اعتزاز أي عملية يقوم بها، ويصدر بيانا لتوضيح تفاصيلها، وهو ما لم يحدث في جرائم الاغتيال الأخيرة، التي تأتي ضمن حلقة متواصلة لإفراغ مدينة عدن من الشخصيات الإسلامية والوطنية المؤثرة، واستبدالها بدمى تمتهن التبعية وتقديم قرابين الطاعة للمشروع الإماراتي.
 
وأيا كان الهدف من الاغتيالات ومن يقف خلفها، فلا خلاف في إن هذه الجرائم تظهر السلطة الشرعية، بموقف ضعيف للغاية أمام العالم، وتقوي موقف الحوثيين ودعوات الحل السياسي القائمة على إشراك الحوثيين في السلطة والتي تتنافى مع تطلعات الشعب اليمني والقرارات الدولية ذات الصلة بإنهاء الانقلاب وتسليم الأسلحة الثقيلة.
 
خلاصة القول، يجب أن تشكل جرائم الاغتيال الأخيرة دافعا قويا للسلطة الشرعية للقضاء على حالة الفوضى من خلال استعادة سيطرتها على الأجهزة الأمنية، وإعادة هيكلتها وفق أسس سليمة، وإقصاء جميع القيادات الأمنية المرتبطة بالمشروع الإماراتي، وإعطاء الأولوية للأجندة الوطنية التي تصون الأرواح والممتلكات كحال الأجهزة الأمنية في دول العالم.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر