المجتمع والحرب


ياسر عقيل

على هامش الحرب وغياب الدولة يعيش المجتمع حالة من الصراع مع سلسلة من المشاكل الاجتماعية والتي أدت إلى تفكك أسر كثيرة، ويبرز الفقر كأحد أهم الأسباب لتلك المشاكل بالإضافة إلى غياب الدولة ودورها في الحفاظ على المجتمع ككيان متماسك بعيداً عن تأثيرات الحرب النفسية والاجتماعية.
 
قد تختلف ثقافة المجتمع في اليمن عن الدول الأخرى في عدم اعتماده على الدولة في الحصول على العمل والمعيشية، وايضاً في حل القضايا الجنائية والمشاكل الأسرية، حيث هناك طرق أخرى منها التحكيم القبلي أو الاحتكام لدى شيخ القبيلة، لكن الحرب المستمرة للعام الرابع على التوالي عملت على تدمير الدولة بشكل كلي مما انعكس على المجتمع الذي تفكك هو أيضاً.
 
تمثل الدولة لليمنيين عامل استقرار كبير رغم انها لم تكن الملجأ الأول لمشاكلهم، بل آخر خياراتهم لكن وجودها ضروري بالنسبة لهم، وما يحدث حاليا من حالة تذمر وانتشار للحوادث الجنائية والجرائم المختلفة ما هي إلى إحدى نتائج غياب الدولة والحرب الذي أثرت بشكل كبير على نفسيات كثير من الناس وحولتهم إلى متوحشين، وبحاجة إلى العلاج والعناية النفسية.
 
نقرأ أخبار مُفزعة بشكل يومي بعيدا عن جبهات، انتحار وقتل ومشاكل أسرية معقدة، ونتساءل هل هذا المجتمع اليمني نفسه قبل أن تبدأ الحرب التي أثرت على جوانب الحياة لدى الناس، وجعلتهم أقل صفحاً عن الآخرين ولا يحتملون بعضهم أبداً، وكأننا في نهاية الكون حيث يعيش الناس لحظات رعب النهاية التي لا أحد يتوقعها.
 
في محافظة إب الأسبوع الماضي يقتل رجل وثلاثة من أولادة عقب شجار تطور إلى اشتباكات مسلحة، والسبب قطعة أرض متنازع عليها لا يتجاوز سعرها 200 ألف ريال يمني ما يعادل (400دولار أمريكي)، مثل هذه الحوادث الجنائية البشعة تعد مقياس على انحدار المجتمع نحو العنف بهرولة، وهي نتائج طبيعية لما يجري في البلاد من حرب ضروس دمرت كل شيء.
 
يمثل الفقر أيضاً سبب آخر لتفكك المجتمع حيث يفقدون رب الأسرة وعائلها أو لا يجد ما يغطي معيشة أسرته فيفقد سيطرته عليهم عندما لا يستطيع توفير متطلباتهم، وبعدها يخرج الأطفال القاصرين إلى العمل في الشوارع ويتركون حياتهم القديمة الطبيعة، ويبدؤون بالتكيف مع الوضع الجديد بجهد مضاعف ينتهك طفولتهم ويعرضهم للانتهاكات، ومن ثم يكبرون في الشارع ويتم استغلالهم من قبل عصابات تستقطبهم في ارتكاب جرائم. 

تلك إحدى نتائج غياب دور الأسرة والتي تعد المكون الأول للمجتمع، حيث تصبح في زمن الحرب بلا سلطة على أبنائها والذي يتمثل في إيوائهم وتربيتهم وتعليمهم وتوفير المعيشة لهم، تلك الواجبات الأسرية أصبحت صعبة لدى الكثير من الأسر مما يجعلها عرضة لهذا التفكك، أما أولئك الذي فقدوا عائلهم أو من يهتم بهم فالحياة ستكون أسوأ بالنسبة لهم، ونتائج هذا التفكك والاندثار في المجتمع ذلك ستظهر على المدى البعيد.
 
يتحول العنف والجريمة إلى ظاهرة تتفشى في المجتمع تلقائيا مع غياب الدولة حيث يستغل الأشخاص ثقتهم لعدم تعرضهم للعقوبة في ممارسة الجريمة، بالإضافة إلى المشاكل الأسرية التي تتكاثر يوميا وتترك خلفا ضحايا من الأسرة يعيشون حياتهم يعانون من حالات نفسية مضطربة، هذه المشاكل لها ضحايا أكثر من القتلى والجرحى في الحرب ولها عواقب كبيرة، وسنحتاج مستقبلا إلى برامج وطنية لمكافحة تلك الظواهر والتعامل مع ضحاياها وتأهليهم نفسياً.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر