يجري المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث جهود مكثفة لإنقاذ الحوثيين، وإيقاف أي جهود عسكرية للسلطة الشرعية يترتب عليها خسارة الحوثيين وتقهقرهم، تحت عنوان الحل السياسي واستئناف المفاوضات، لكن الأهم من ذلك، هل يؤمن الحوثيون بالحل السياسي، خاصة وأنهم يرفضون القرار الأممي 2216؟ وهل سيلتزمون بأي تسوية سياسية تنهي انقلابهم وتلزمهم بإعادة الأسلحة المنهوبة إلى المؤسسة العسكرية؟
 
من يعتقد أن الحل السياسي ممكن مع عصابة الانقلاب الحوثية، فعليه إعادة قراءة المشهد السياسي والعسكري في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة، والدور الذي لعبته العصابة الحوثية ضمن هذا المشهد، وكيف أنها استخدمت السياسة كوسيلة لتحقيق أهداف عسكرية، حتى سيطرت على مقاليد السلطة وأسقطت العاصمة صنعاء في غضون ساعات فقط.
 
مع انطلاق أعمال مؤتمر الحوار الوطني في مارس/آذار 2013، نجح المبعوث الأممي جمال بن عمر في إقناع القوى السياسية اليمنية بمشاركة الحوثيين في المؤتمر، بعد أن كانت هذه القوى تطالب بنزع  أسلحة الحوثيين الثقيلة، كشرط أساسي  لمشاركتهم في مؤتمر الحوار، وهكذا وجد الحوثيون أنفسهم يمارسون السياسة ضمن حوار وطني، وفي الوقت نفسه تدك مدافعهم الأحياء السكنية في قرية دماج المعقل السني الوحيد في محافظة صعدة التي يحكمها الحوثيون.
 
شكّلت مأساة منطقة دماج التي لا تتجاوز مساحتها 3 كيلو متر مربع، نقطة سوداء في تاريخ السلطة السياسية والأحزاب السياسية التي قبلت مشاركة الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني، مع احتفاظهم بالأسلحة الثقيلة، لتتوج مأساة دماج بتهجيره أبنائها في منتصف يناير 2014، بعد خمسة أشهر من صمود مقطع النظير في وجه الهجمة البربرية للعصابة الحوثية، وكان التهجير سابقة هي الأولى في التاريخ اليمني، ولم يمض على المأساة بضعة أيام حتى كانت صنعاء مسرحا لاحتفال مزعوم بنجاح مؤتمر الحوار الوطني، على وقع استمرار التوسع الحوثي في أكثر من مكان، ولم يكن توقيعهم على مخرجات الحوار الوطني التي تنص على نزع سلاحهم الثقيل وتسليمه للدولة، إلا مقدمة لقيامهم بنزع أسلحة الجيش والسيطرة على المعسكرات؛ فلم تمض بضعة أسابيع على انتهاء مؤتمر الحوار الوطني، حتى شرع الحوثيون في مهاجمة اللواء 310 مدرع بمحافظة عمران وتمكنوا من إسقاطه وقتل قائده بدعم حليفهم صالح وتواطؤ السلطة الحاكمة، ووزارة الدفاع وعدد من القيادات العسكرية.
 
تخطى الحوثيون جميع المبادرات السياسية التي دعتهم لوقف التوسع، ولم يلتزموا بجميع الهدن التي عملت على تثبيت وقف إطلاق النار، ومارسوا أقبح صور النفاق السياسي في تسويق توسعهم العسكري بتواطؤ وصمت رسمي وإقليمي، فبعد إستيلائهم على محافظة عمران بدعوى تخليص أبنائها من بطش "الدواعش"، أسقطوا العاصمة صنعاء بدعوى إسقاط الجرعة، فيما اكتفت الأمم المتحدة ومبعوثها جمال بن عمر بالدعوة للتهدئة واستئناف المفاوضات، وعلى وقع هذا السقوط الأممي سقطت صنعاء، بتواطؤ ودعم بن عمر، الذي أشرف بنفسه على توقيع اتفاقية السلم والشراكة التي وضعها الحوثيون أنفسهم، وعلى هذا النسق واصل الحوثيون توسعهم إلى معظم المحافظات بغطاء سياسي منحته لهم الأمم المتحدة ومبعوثها بن عمر.
 
ثمة شواهد كثيرة تكشف كفر العصابة الحوثية بلغة السياسة والحوار، وإيمانها بالتقية السياسية كوسيلة لكسب الوقت والتوسع العسكري والاستهلاك الإعلامي، فمثلما تنصلت من اتفاقيات الهدنة في دماج وعمران وصنعاء بتواطؤ إقليمي ودولي، فإنها واصلت مسارها العبثي عقب اندلاع الحرب، واستغلت انتكاساتها الميدانية في أكثر من جبهة عسكرية، لتسويق قبولها بالحوار ورغبتها في السلام، وهي خديعة ما تزال تجد طريقها في أسماع قوى إقليمية ودولية.
 
هل هناك اتفاق تهدئة أو اتفاق سياسي التزمت به العصابة الحوثية منذ بدء توسعها العسكري في المدن اليمنية؟ بالطبع لا، وهناك شواهد وأدلة تثبت عدم جدوى التفاوض والحوار السياسي مع هذه العصابة المسلحة، ومنها: تنصلها من اتفاق ظهران الجنوب الذي وقعت عليه في إبريل 2016 وينص على وقف قصفها لمدينة تعز، وفتح جميع المنافذ الرئيسية للمدينة، لكنها لم تلتزم ولو لساعات على الأقل بوقف قصف المدينة، فضلا عن فتح المنافذ ورفع الحصار.
 
والعصابة الحوثية التي لم تلتزم بالقرارات الأممية، وماطلت وراوغت في مباحثات جنيف 2015، ومن بعدها مباحثات الكويت2016، ورفضت التنازل عن أسلحتها الثقيلة وإنهاء انقلابها على مؤسسات الدولة، لا يمكن التعويل على أي حل سياسي معها، كونها لا تفهم إلا لغة القوة حتى وإن كانت تمارس التقية السياسية وتتحدث بلغة لطيفة لكسب الوقت والتأييد الغربي، لكن هذه اللغة اللطيفة تسقط عند أول اختبار جدّي على أرض الواقع.
 
الشواهد المتوالية تشير إلى استحالة أي تسوية سياسية مع العصابة الحوثية، وما خسرته الدولة اليمنية تحت قوة السلاح، لن تعيده إليها طاولة المفاوضات، وإنما الحسم العسكري، الذي مازال حبيس الأدراج والحسابات السياسية والدولية الخاطئة.


*المقال خاص بـ "يمن شباب نت"

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر