اليمن وأخطبوط الحرب المقدسة*


عبداللطيف حيدر


يخوض اليمن لأكثر من أربع سنوات حرباً مصيرية مقدسة هي الاعقد والأسوء في تاريخه الحديث بأبعادها المختلفة منذ 14 من ابريل 2014 مع بدء الحرب بين جماعة الحوثي والجماعة السلفية في دماج الدراسين في دار الحديث الذي يتزعمه الشيخ السلفي يحيى بن علي الحجوري التابع لنهج الحركة الوهابية السعودية قبل مجيئ محمد بن سلمان الى واجهة القيادة السعودية الجديدة. وحالة نزوح أهالي مدينة دماج في أشهر عملية تهجير عنصري قسري في تاريخ اليمن، وكانت تلك المواجهات بمثابة رأس حربة لفصل جديد من معركة أغرقت اليمن من شرقه الى غربه ومن شماله الى جنوبه في دوامة العنف والفوضى العبثية. وقد بلغت تلك المعركة ذروة تعقيداتها المقلقة حينما وصل المقاتلون الحوثيون الى شواطئ مدينة عدن واحكموا قبضتهم على اغلب مدن اليمن، وأصبحت الدولة في قبضة الجماعة المسلحة بين عشية وضحاها بصورة مذهلة وانتفاشة غريبة ربما فاجأت الحوثيون أنفسهم بالانتصار الذي حصلوا عليه بينما لم يخوضوا أي تجربة في الحرب خارج كهوف محافظة صعدة (أقصى شمال اليمن) بل كانت تلك حربهم الأولى خارج نطاق جبال صعدة التي يتحصن فيها المرشد الروحي للجماعة عبد الملك الحوثي.

وبعد أن تمكن الحوثيون بإحراز انتصار تاريخي لهم ومقدرتهم على احكام قبضتهم على الدولة، انطلقت عاصفة الحزم في 26 مارس و2015 لإنهاء تمردهم وانقلابهم على الدولة.

مضيفة للحرب بعداً إقليمياً ودولياً وتنحو بها منحاً آخر حيث لا يصبح خيار الحرب بأيدي اليمنيين أنفسهم وانما أضحوا أحد أطرافها العاجزين عن اتخاذ أي قرار في الوقت الذي لا يبدوا هناك جدوى للمقاومة في حرب غير متكافئة أو اٌريد لها أن تكون كذلك.

عند اندلاع شرارة الحرب الأولى كان لدى اليمنيين الكثير لفعله لتدارك انزلاق الأوضاع الى المستنقع الذي لا يتمناه أحد، وهي اللحظة التي وصل الوضع اليها حيث اكتوى الجميع بنيران الحرب وخسرت جميع الأطراف التي ظنت أنها ستجني ثمار هذه المقامرة المجنونة في حرب عبثية ربما لم تكن بحاجة اليها لتحقيق مرادها حيث أنها أصبحت الضحية الأولى التي جناها غيرها من الحرب وأعني بذلك حزب المؤتمر الشعبي العام والرئيس السابق علي عبد الله صالح (الذي قتله الحوثيون). حيث كانت ملامح الحرب واضحة والمطامع التي تسعى الحرب الى تحقيقها واضحة كذلك.

بالإضافة الى الأطراف التي خططت للحرب وتسعى الى استثمارها لتحقيق تطلعاتها أيضاً كانت واضحة. انما جنون المصالح المتضاربة أفقد البعض وعيه عن ادراك السبيل الأنسب والاقل خسارة لتحقيق أهدافه دون ان يدفع أثمان باهظة في نهاية المطاف ويظل يحمل تبعات تاريخية لقرار لم يكن في صالحه وأقصد هنا المملكة العربية السعودية ودولة الامارات التي دفعت بالحوثيين للانقلاب على الدولة وازاحة حزب الإصلاح وقوى ثورة 11 فبراير من المشهد السياسي الذي تعاديه الدولتان على أمل ان تكون حرب خاطفة تعمل على إزالة الهوس الخليجي من الإسلاميين وفوبيا الثورات الذي أثقل كاهلها، وضرب مشروع الثورة وتقليص نفوذ حزب الإصلاح الذي يتمتع بنصيب كبير من التأييد الشعبي والقاعدة الجماهيرية العريضة.

وبالتالي فإنها كانت تعتقد أن الحرب تستطيع ان تفرض واقعاً جديداً على الأرض، يعمل على ادخال معادل قوي لحزب الإصلاح ومعادي له ولقوى الثورة السياسية فيما تجسد حينها “باتفاق السلم والشراكة” الذي تم ابرامه في 22 سبتمبر 2014 عقب اجتياح جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء والذي مثل نصراً للحوثي وشرعن عملية الانقلاب على الدولة بحضور المبعوث الاممي الى اليمن حينذاك جمال بن عمر. الا ان مشروع الحرب لم يمض حسب ما تم التخطيط له وبمجرد ان أسقط الحوثيون العاصمة صنعاء حتى اتجهوا الى ابتلاع الدولة بأكلمها بمعية حزب المؤتمر الشعبي العام الذي مثل رافداً قوياً لجماعة الحوثي سياسياً وعسكرياً بعد التحالف معه ومساندته في احكام قبضتها على الدولة وهو مالم يكن له ان يتم بدون ذلك، نظراً للنفوذ الكبير والقوة العسكرية التي يملكها صالح وحزبه.

بدأ اخطبوط الحرب المقدسة يتشكل بعد انحسار القوى المعادية لمشروع الحوثي، مقابل تفوق متصاعد لنفوذ قوات الحوثي وحليفها علي صالح الذي كاد أن يسد الأفق ويسدل الستار عن ثورة 11 فبراير الفتية، التي حملت معها امالاً عريضة بمستقبل جديدة لدولة أنهكها فساد منظومة الحكم غير الرشيد لعلي صالح، الذي سعى الى تحويل الدولة الى مشروع شخصي له ولأبنائه من بعده. ولكن الاخطبوط تشكل بصورة أكثر وضوح منذ دخول التحالف العربي وانطلاق عاصفة الحزم المدعومة امريكياً وأوربياً، حيث اتسعت دائرة الحرب وتعددت أطراف الصراع وتعددت معها بالطبع أجندة الحرب وأهدافها، حيث كانت الأهداف الأولى المعلنة هي انهاء الانقلاب المسلح لجماعة الحوثي وحليفها صالح وإعادة شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي الى العاصمة اليمنية صنعاء.

الا ان مسار الحرب تفرع الى اهداف ومصالح متعددة ومتباينة كاستجابة طبيعية لتعدد أطراف الصراع واتجاهات كل طرف وأجندته في الحرب وكذلك نفوذه في ميدان الصراع.

أطراف متشابكة:

تتشابه المعركة الحالية في اليمن كثيراً مع البناء الدرامي بتجلياته المتعددة بشخصياته وحبكاته وأحداثه المتداخلة وكذلك أبطاله الرئيسين الفاعلين الذين ستنتهي القصة بانتصارهم. ويتضح أن بقية الاحداث ستصبح مجرد تفاصيل لاثراء المشهد واشباع فضول الفرجة لدى المشاهد. وبالرغم من ذلك الا ان العمل الدرامي يسعى الى محاولة ربط تفاصيل القصة ببعضها بصورة تبدوا منطقية ومبررة وواضحة ولا يمكن وجود جزء من المشهد لا يمضي بتناغم مع إيقاع الفيلم.

وهذا لم يحدث في واقع الحرب في اليمن حيث تتقاطع فيها الكثير من الأجزاء الغير مفهومة ولا تخضع لمنطق.

ظاهرياً يتضح لأي متابع لمجرى الحرب في اليمن ان أطراف الصراع تتمثل في جماعة الحوثي وحليفها السابق علي صالح، الذي اعلن قبل موته فسخ تحالفه معهم ودعاء الى انتفاضة شعبية ضدهم ثم قاموا بتصفيته على اثرها، من جهة والتحالف العربي والشرعية اليمنية من جهة أخرى. وهذا صحيح كما يسوق له وكما يفترض له أن يكون حيث تمثل هذه الخارطة الصورة التي قامت عليها الحرب. لكن في الحقيقة القضية أبعد وأعمق من تلك الصورة الطافية على السطح حيث تتشابك أطراف وأجندة متعددة في الحرب، وهذا انعكس سلباً وبشكل واضح على مجرى الصراع الدائر منذ أكثر من ثلاثة أعوام دون الوصول الى النتيجة المرجوة من الحرب كما ينبغي والمتمثل في انهاء الانقلاب وإعادة الشرعية الى العاصمة صنعاء وهذا الهدف لا يزال بعيداً جداً ويحتاج الكثير من الجهود والمزيد من الوقت وهذا بالطبع يضاعف من كلفة المعاناة الإنسانية التي انهكت الشعب اليمني حيث أصبح أكثر من 22 مليون يمني بحاجة الى مساعدات إنسانية عاجلة وفقاً للتقارير الدولية والحقيقة أن الوضع أضر من ذلك.

هناك تباين عميق في اجندة الحرب في الساحة اليمنية، تتجسد أبرزها ان جماعة الحوثي تمثل بعداً ايديولوجياً مسنوداً من ايران ما يمثل عامل قلق حقيقي للسعودية، وبالتالي فإن حضور الحس الأمني للسعودية يتصدر اجندتها في الحرب قبل عامل إعادة الشرعية وتحقيق نصر شعبي على الصعيد الداخلي، بل انها تسعى الى احداث انكسار كبير لجماعة الحوثي واخماد ذراع إيراني في جنوبها يتهدد أمنها القومي. وهذا يعد تعقيداً اضافياً لمسار المعركة في الميدان حيث يحتاج الى حسابات واستراتيجيات ووجهات نظر أخرى لرؤية وآفاق الحل.

ومن جانب أخر دولة الامارات حيث تسعى الى تحقيق انتصار في جوانب متعددة فهي تطمح الى تحقيق مطامع خاصة من حيث السيطرة على أبرز الأماكن الحيوية والتي تمثل الموانئ والجزر أبرزها من ناحية، ومن ناحية أخرى تسعى الى تحقيق انتصار سياسي وعسكري من خلال ضرب العمق الحيوي لحزب الإصلاح الذي تنظر اليه على أنه فرع جماعة الاخوان المسلمين – حيث كلاهما تعتبره ذراع جماعة الاخوان في اليمن- الأمر الذي ينفيه الحزب، والتي تصنفها الدولتان جماعة إرهابية وتحظر نشاطها في دولها. وتتهمهما الدولتان انها خلف ثورات الربيع العربي وتسعيان الى ضربها وافشالها.

وبالتالي فإن المشروع الاماراتي يسعى الى تحقيق مآرب معينة قد لا تتوافق مع اهداف التحالف العربي الذي هي جزء منه ولا تتفق مع مشروع الدولة الذي يحارب الجميع من اجل استعادتها. بالرغم من أن حزب الإصلاح أعلن وقوفه الى جانب شرعية الرئيس هادي وتأييده للتحالف العربي بقيادة السعودية وتلقى ضربات موجعة من جماعة الحوثي وصالح لقاء موقفه من الشرعية والتحالف. وهذا يبرز تحديات حقيقية في سبيل التحرير والمضي بالمعركة نحو المسار الصحيح.

حيث تفرع الرؤى والاجندة من المعركة يعمل على اخفاقها وتتجه الأطراف الداخلية لتصفية حساباتها مع بعضها والابتعاد عن الهدف الرئيس وهذا من شأنه إطالة أمد الحرب ورفع مستوى المعاناة التي يتحملها اليمنيين وحدهم.

المشروع الاماراتي يبدو الأكثر حضوراً في المشهد حيث تعمل الامارات على عدة جبهات، ففي الجنوب الذي تحظى بإدارة الملف الأمني فيه تدعم الامارات ما يسمى ب ” المجلس الانتقالي”، المطالب بانفصال الجنوب عن الشمال، ليشكل كيان موازي للدولة ويعمل على تقويض حضورها، الى جانب التضييق على حزب الإصلاح في الجنوب حيث أعلن منذ أيامه الأولى حربه على حزب الإصلاح وتوعده بممارسة عمليات ضده.

بينما في الشمال قامت كذلك بدعم تشكيلات عسكرية خارجة عن سلطة الحكومة الشرعية ولا تعترف بشرعية الرئيس هادي ويقودها طارق صالح نجل شقيق الرئيس السابق صالح، وبالتالي فإن هذه التشكيلات العسكرية غير التابعة للحكومة الشرعية تمثل علامة استفهام كبيرة حول الهدف منها؟ وكيف يتم السماح بإيجاد قطاعات عسكرية مدعومة بسخاء من دولة منخرطة في التحالف الذي جاء بطلب من الشرعية ومن ثم تبقى الشرعية مغيبة عن ما يحصل وتمارس الامارات دورها في متابعة مجريات الحرب وتحديد مالاتها والقيام بدور التفاوض مع الحوثيين فيما يخص ميناء الحديدة مؤخراً وغيرها. وهذا يكشف مازق حقيقي تعيشه الحرب وتمضي في اتجاهات غير مفهومة ومعقدة، وبالطبع فإن هذا يصب في صالح جماعة الحوثي ويمنحها القدرة على البقاء مدة أطول.

هالة العظمة للمقاتل الحوثي:

حالة الخلخلة التي تعيشها الحرب تستثمرها جماعة الحوثي بكل الجوانب، حيث انها تساهم في تخفيف الضغط عليها ومنحها وقتاً أطولاً لترتيب أوراقها وصفوفها وترك منافذ هامة تمثل شرايين الحياة للجماعة مفتوحة أمامها مثل ميناء الحديدة الاستراتيجي والهام بالنسبة للحوثيين حيث تعتمد عليه الجماعة في تلقي المعونات والمساعدات والدعم بجميع اشكاله ومنها الدعم العسكري.

والأكثر من ذلك، هو أن الحرب التي يخوضها اليمنيين تعتبر مقدسة بالنسبة لهم حيث يرونها حرباً مصيرية مع جماعة لا تقبل التعايش والسلام وتمتاز بفكر عنصري سلالي قائم على ادعاء افضلية الخلقة والنسب المقدس الذي ينتمي الى سلالة السماء والذي يدعي الاحقية الإلهية بالاستئثار بالحكم. كما يعتبرها اليمنيون امتداداً لثورة 26 سبتمبر1962 التي انتفضت ضد الحكم الامامي والتي تٌعتَبر جماعة الحوثي امتداداً لحكم الإمامة، ذات التاريخ الأسود في الظلم والجوع والمرض والفقر والتخلف التي كانت تعيشه اليمن قبل الثورة.

من جانب اخر فإن إطالة امد الحرب أعطت هالة من العظمة للمقاتل الحوثي ولجماعة الحوثي بصورة عامة، حيث ان جماعة تعتبر أقلية في المجتمع اليمني ويقدر عدد مقاتليها بحسب دراسة استقصائية لصحيفة يمنية محلية ب حوالي 15000 الى 20000 الف مقاتل، وبالتالي استطاعت هذه الجماعة بالرغم من انها عبارة عن تشكيلات عسكرية مليشاوية غير منظمة أو مدربة تدريباً عسكرياً نوعياً وتعتمد على الخبرات القتالية التي استفادت منها خلال الحروب الستة التي خاضتها الجماعة مع الدولة منذ 2004 وحتى 2009 في محافظة صعدة في اقصى شمال اليمن كونها المحضن الرئيسي للجماعة.

ان تقاوم وقتاً أطولاً وتملك خيارات واسعة وهي تواجه قوى داخلية وتحالف عربي متفوق عسكرياً وسياسياً. إضافة الى ان الحكومة الشرعية مدعومة بالموقف الدولي المساند لها والمكونات الحزبية الداخلية المؤيدة لها وأبرزها حزب الإصلاح والذي يملك قاعدة جماهيرية واسعة ومكونات قبلية مؤيدة له.

وكذلك المقاومة الشعبية المنخرطة تحت لواء الجيش الوطني وقوات التحالف العربي المتحكمة بالأجواء والمنافذ اليمنية بكاملها. وبالرغم من القوة المفرطة المستخدمة من قبل التحالف والتي لم يسلم منها المدنيين نتيجة للغارات الخاطئة والتي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء. الا انه بعد أكثر من ثلاثة أعوام لا تزال جماعة الحوثي تملك نفوذاً في الأرض وتلعب دوراً كبيراً في المعركة مستخدمة الدعاية السياسية والاعلام بشكل فعال في اظهار تفوقها وكسبها للمعركة وشد عزائم اتباعها وتضخيم انتصاراتها وتقدمها في مختلف الجبهات وخصوصاً فيما يتعلق بالأسلحة الباليستية التي تستهدف بشكل متواصل بعض المناطق المحررة والمملكة العربية السعودية. مستغلة ذلك لإظهار قدرتها على المقاومة والتهويل من قدراتها الدفاعية القادرة على فرض خياراتها في ميدان المعركة.

خيارات حسم الصراع:

لا تبدوا ملامح الحل في اليمن حتى الان جلية بل تبدوا أكثر غموضاً وتعقيداً؛ وذلك كما أسلفنا يعود الى تعقيدات المشهد وتداخل أطراف المعركة الدائرة واجندتهم المتباينة الى حد كبير. حيث ان القضاء على الحوثي، وان كان لا يزال بعيداً ويحتاج مزيد من الوقت لذلك، لكنه لن يكون فصل القصة الأخير. بل ان هناك فصولاً جديدة لمعركة أخرى لا زالت تتشكل يوماً بعد الاخر ويتم اعداها لما بعد الحسم وتمضي متوازية مع خطة التحرير جنباً الى جنب.

فالدور الاماراتي والسعودي جوهري في مستقبل الحل في اليمن، بمعنى ان الحل لن يكون ذو اعتبار يمني داخلي بأي حال من الأحوال، وانما سيخضع لرؤية المصلحة المشتركة للدور السعودي والاماراتي وهذا سيضاعف كلفة الحسم ويمنحها أمداً أطول حتى يتم تهيئة الأجواء لتصبح مواتية لحل تتحقق معه طموح السياسية الخارجية الإماراتية والسعودية.

أظهرت الامارات من خلال دورها في اليمن طموحات عالية واطماع لها بالحصول على امتيازات كبيرة لقاء مشاركتها في التحالف، ويتضح ذلك من خلال النهم الذي تبديه نحو السيطرة على الموانئ والجزر اليمنية بصورة صارخة، وتتجاوز الأعراف الدبلوماسية والبروتوكلات في التعامل مع حكومة شرعية ذات سيادة على ارضها، كما حصل في محاولة الأولى فرض سيطرتها العسكرية بالقوة على جزيرة سقطرى في 2 مايو 2018 في الوقت الذي يتواجد رئيس الحكومة ومعه مسؤولين في الدولة لوضع حجر الأساس لتنفيذ بعض المشاريع الخدمية في المحافظة التي لا تحصل على الاهتمام والرعاية الكافية من قبل الدولة ، بالرغم من الأهمية الاستراتيجية والسياحية التي تحتلها والتي تعد احد ابرز الأماكن السياحية الموثقة لدى منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة. بالإضافة الى مقدرة الامارات من تثبيت قدمها في المعركة بشكل كبير من خلال دعم بعض الكيانات في الجنوب المتمثل في المجلس الانتقالي الجنوبي، وانشاء تشكيلات عسكرية تابعة بشكل مباشر لها منها قوات الحزم الأمني في عدن وقوات طارق صالح في الساحل الغربي غربي اليمن.

وهذا ما يكسبها القدرة على امتلاك دور مؤثر وفعال في مجريات الحرب وخيارات الحل المستقبلية. بينما يظل الدور السعودي منحسراً الى حد ما إذا ما تم مقارنة بالدور الاماراتي على الأرض، حيث انها تتجنب التورط باظهار أي نفوذ لها خارج اطار الشرعية الا بشكل بسيط يتمثل جوانب منه في دعم بعض الجماعات بشكل خاص، كما تشير تقارير الى ذلك، منها جماعة السلفي البارز “أبو العباس” في تعز. بينما تملك قدراً كبيراً في التأثير على موقف الحكومة الشرعية والأحزاب السياسية التي المؤيدة للحكومة الشرعية ومنها حزب الإصلاح ويبدوا انها تكتفي بذلك النفوذ الناعم والهادئ المتسم ببعد نظر أكثر عمقاً.

تملك السعودية والامارات رؤى موحدة تجاه حزب الإصلاح، وبالتالي فكلاهما يسعى الى التضييق على نفوذ الإصلاح في الحرب بالرغم من موقف الإصلاح المعارض لجماعة الحوثي وكذلك تأييده للتحالف العربي وهذا ما أجبر الدولتان على التعامل معه ظاهرياً بإيجابية واعتباره حليفاً مهماً في مواجهة الانقلاب الحوثي على الدولة لكنهما في الواقع يسعون الى التضييق عليه واستنزاف قواته واعتباره حجر عثرة امام تحقيق أي تقدم في المعركة فيما تسلط تلك الدول بشكل غير مباشر بعض الكتاب والمحللين السياسيين في الهجوم على الحزب بشكل مستمر حيث وصفته صحيفة الرياض السعودية مؤخراً ب “الكيان الخبيث” ووصفته بأنه لا يقل خطراً عن جماعة الحوثي بينما قادته يتواجدون على أراضيها ويثمنون موقف الدولتان في التحالف.

وهنا تكمن المفارقة التي ساهمت في تأخير الحسم وعملت على تشتيت مسار التحالف وتقويض الجهود الرامية الى انجاز مهمة المعركة مع الحوثي وأعاد الشرعية الى العاصمة صنعاء. حيث صرح بذلك مرات عديدة مسؤلون في الشرعية منهم عبد العزيز جباري نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم الخدمة المدينة والذي قد استقالته لاحقاً، بأن الامارات تسعى الى تأخير الحسم والرهان على اطال المعركة لاستنزاف قوى الإصلاح الذي تنظر اليه الدولتين على انه لا يزال يمتلك نفوذ غير مطمئن لهما وبالتالي فإنه سيكون مهيئاً للواجهة السياسية بعد التحرير بدون معادل اخر من الممكن ان يزيل مخاوفهما من نفوذ الحزب او على الأقل يمثل وجوداً قوياً يمكنهما من تحقيق ما يطمحان ويحد من تفرد حزب الإصلاح المحتمل بعد انتهاء الحرب، وبالتالي تسعى الامارات بقوة في خلخلة البيئة الداخلية وتضييق نطاق نفوذ الإصلاح في بعض المناطق وبالأخص المناطق الجنوبية عن طريق المجلس الانتقالي الموالي لها والمعادي لحزب الإصلاح.

وفي مناطق الشمال تسعى الى إعادة انتاج نظام صالح من خلال دعم طارق صالح بسخاء وتهيئته للعب الدور القادم بعد التحرير في المناطق الشمالية والتي بدأها من الساحل الغربي باتجاه محافظة الحديدة غربي اليمن حيث تشرف الامارات بصورة منفردة على سير العمليات هناك، بالرغم ان هذه تعد مهمة الحكومة الشرعية وهي المسؤول الأول عن إدارة المعركة بمساندة التحالف لكن ما يحصل العكس حيث تبقى الحكومة بعيداً عن تفاصيل معركة الحديدة في الوقت الذي تسيطر الامارات على المشهد برمته بينما قوات طارق صالح التابعة لها لا تعترف بالحكومة الشرعية لكنها تحظى بعناية خاصة من قبل الامارات.

أفق الحل:

ما يجب التأكيد هو أن دور الامارات النشط حالياً أمر جوهري ومفتاح للدفع بالمعركة نحو الامام وبدون ذلك يبقى الحديث عن حل مرتقب مجرد هراء وتكهن عقيم لا يستند على منطق. فالإمارات تملك الكثير من الأدوات في ميدان المعركة والتي من الممكن أن تؤلها لقلب المعادلة في ظرف قياسي. وبالتالي فإن التفاهم الواضح والجاد مع الامارات مؤشر وضامن حقيقي لتحريك المعركة في مسارها الصحيح والقضاء على انقلاب جماعة الحوثي ومن ثم الترتيب لما يتلوه. تملك الامارات أطماع عريضة في اليمن لا يمكن نكران ذلك، كونها كشفت عن ذلك بصورة صارخة مرات عديدة حيث وصفته الحكومة الشرعية بانه انتهاك لسيادة البلد غير مبرر ويتعارض مع مبادئ التحالف بعد ان قدمت شكوى الى مجلس الامن ضد الامارات نتيجة بعد احداث جزيرة سقطرى.

ولذلك فإن استعراض وجهات نظر الاختلاف والمخاوف لدى الدولتان والسعي الى المكاشفة والمصارحة في الأسباب الحقيقية لتعثر المعركة كفيلة بأن تعطي مؤشرات فعلية للخروج برؤية موحدة للحل بما يتم التوافق عليه وبما يتلائم مع الظرف الحساس الذي تمر به البلد والتي لا تحتمل المزيد من المقامرات والمغامرات المكوكية على حساب وطن يكاد يتلاشى.

*باحث يمني في الاعلام والعلاقات الدولية
المركز الديمقراطي العربي
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر