تفخيخ المستقبل


ياسر عقيل

يسير التعليم في اليمن نحو الهاوية بكل مراحله المختلفة من الابتدائية إلى الشهادات العليا ومع اختبارات الشهادتين الثانوية والأساسية تتكشف حالة العبث التي تعيشها البلاد منذ أربع سنوات، حيث أصبح الغش هو الخيار الوحيد للطلاب بالإضافة إلى عمليات التزوير الشاملة في التصحيح ووضع الدرجات.
 
وقبل ذلك هو غياب العملية التعليمة خلال الفصول الدراسية بشكل كلي في غالبية المدارس الحكومية، وهو ما يجعل الغش والتزوير الطريقة الوحيدة للنجاح لدى الكثير من الطلاب الذي لم يتلقوا تعليمهم بشكل جيد، عدا أولئك الطلاب الذين يشكلون نسبة قليلة ويتلقون تعليمهم في المدارس الخاصة.
 
الغش والرشوة والتزوير ثلاثية ممهنجة تُمارس بشكل مُعلن في التربية والتعليم العالي دون أي رادع حتى ولو كان شكلياً في ظل حالة العشوائية والعبث التي تدار فيها البلاد في زمن الحرب، وفرض العبث كواقع من خلال سلسلة من الممارسات ضد التعليم بدء من غياب الاهتمام ومن ثم قطع الرواتب على المعلمين والذين يشكلون نسبة كبيرة من موظفي الدولة، وفي الوقت الذي قدمت الحكومة حلول جزئية في تسليم رواتب بعض مؤسسات الدولة، بقيت المؤسسات التعليمية والأكاديمية خارج الاهتمام تماماً.
 
الأسوأ فيما يجرى منذ سنوات هو تفخيخ مستقبل البلاد في جيل فاشل لا يستطيع حتى أن يكمل دراسته او يحقق أي إنجاز علمي أو نجاح يمكن أن يبني ما دمرته الحرب، هذه الكارثة ستنعكس على انتشار حالة الجهل في أوساط الشباب مما يجعلهم عُرضة إلى الاستقطاب من قبل العصابات والجماعات المسلحة المتطرفة والإرهابية وتلك الكارثة الكُبرى التي ستحل في البلاد على المدى القريب والبعيد.
 
شكلت سنوات الحرب حالة من الإحباط لدى الكثير من الطلاب وأيضاً من خريجي الجامعات بسبب البطالة المتزايدة وطول الانتظار الذي شكّل حالة من اليأس لدى الكثيرين، وبعضهم اختار التجنيد كطريق إجباري لملأ الفراغ والحصول على راتب ومصدر للعيش بعد أن أُغلقت كل الأبواب في وجوههم، وتلك إحدى أبرز السياسيات التي حولت حاملي الشهادات والمتعلمين إلى مجندين في جبهات القتال المختلفة.
 
غياب الدولة جعل من البلاد في مهب الريح وشكلت الحرب فيها حامل أساسي للجهل والتخلف والذي يؤسس لمستقبل من أجيال تجيد إثارة الحروب أكثر مما هي عامل بناء يمكن أن تنهض في البلاد مستقبلاً، أو الوصول بها إلى مرحلة الاستقرار كأقل مطلب شعبي الآن من قبل اليمنيين في الوقت الحالي، ومن يحشدون للحرب الآن هم أولئك الذين لم يعرفوا طريق المدارس ومن يتبعهم يشبههم أيضا إلى حد كبير.
 
يعمل التعليم الجيد على صناعة العقول التي تسعى للبناء، بالإضافة إلى غرس الثقافة الوطنية والتي تُعلي قيمة الانتماء إلى التراب الوطني والاعتزاز بالتأريخ والاهتمام بالتطوير كحالة صحية للمجتمعات الصالحة التي تتخذ من العلم مسار للحكم على الأشياء والإيمان بها، بعيدا عن الخرافة والانتماءات الضيقة المذهبية والمناطقية والعرقية والتي نعاني منها الآن حيث تُعد إحدى الإفرازات التي أنتجتها الحرب.
 
في الحقيقة يتم تفخيخ مستقبل البلاد في صناعة جيل فاشل تعليماً وغير صالح وهو ما سيجعل الجميع يصحو على تراكم من الأزمات الجانبية التي تسببت فيها الحرب وفي حالة انتهاء الأزمة الحالية ستظهر عدد من المشاكل التي لا يمكن تجاوزها بسهولة على المدى القريب، وتلك هي التعقيدات التي ستواجه الأجيال مستقبلاً في بلاد امتلأت بالبارود في الحرب التي تحولت إلى تجارة مُربحة.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر