كارثة حرب الشوارع في الحديدة


ياسر عقيل

ثمة تفاصيل موجعة وراء كل معركة عسكرية طويلة الأمد في اليمن نازحون وضحايا مدنيين وحالة رعب يعيشها الأطفال والنساء والرجال في منازلهم، ذلك هو الهامش الكارثي من الحرب في المناطق السكنية والتي لا يكترث لها المتحاربون خلف متارسهم وآلياتهم العسكرية الثقيلة التي تتوسط المدن وتقتحمها.
 
ما يجري في مدينة الحديدة يكرر سيناريو ما يحدث في مدينة تعز منذ سنوات وما حدث في مدينة عدن في العام 2015، حيث تدور معارك عنيفة غير حاسمة لمدة طويلة بالقرب ووسط المناطق السكنية، مما يجعل المدنيين هم الضحايا الأكثر في المعارك التي لا تتوقف وتبقى متقطعة ما بين الكر والفر لمدة طويلة وغير معروفة نهايتها.
 
تسير معركة الحديدة ببطء شديد رغم التحشيد العسكري الذي سبقها حيث بدا للكثيرين ان مدة سيطرة القوات الحكومية بإسناد من التحالف ستكون خاطفة وسريعة مثل ما حدث بمدينة عدن أثناء طرد الحوثيين منها، وهو ما خفف الكُلفة الإنسانية للحرب والاشتباك في المناطق السكنية ومن المفترض أن تكون معركة الحديدة بنفس السرعة كي تحقق نفس النتيجة بأقل التكاليف والضحايا.
 
في الحقيقة أفكار حماية المدنيين في معارك اجتياح كبيرة تكون مستحيلة التطبيق في ظل أن الأطراف غير ملتزمين بخطط الحماية وفتح ممرات آمنه لخروج المدنيين أو عدم التمترس في أحياء سكنية، والسعي أيضاً لاتخاذ المدنيين دروع بشرية قد تمنع تقدم القوات الحكومية، وهذا أحياناً قد لا يمنع التقدم المحسوم والذي سيُسقط ضحايا مدنيين حتماً وهو ما سيُستغل للإدانة بارتكاب جرائم حرب، في الوقت الذي سيكون من الصعب التوقف.
 
العملية العسكرية السريعة قد لا تستطيع تجنب سقوط الضحايا، لكنها ستجعله أقل بكثير من استمرار وتيرة المعارك في كل حي والتقدم البطيء الذي سيجعل الجرائم مستمرة بشكل يومي على المدنيين بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار والأمان للسكان حيث سيكونون عرضة للموت والإنتهاكات والدمار الهائل الذي سيلحق بالمدنية والأحياء على المدى البعيد من المعارك كما يحدث في تعز.
 
ما يجري الآن من معارك متقطعة ستعمل على زيادة التمترس العسكري في المناطق السكنية والتي ستُضاعف الضحايا والخسارات لدى السكان المدنيين سواء من خلال القصف العشوائي الذي سيقتل مدنيين، أو المعارك الطويلة التي ستدمر الأحياء والمنازل بشكل كبير، وتتداول أخبار عن حفر خنادق وقطع طرق في شوارع رئيسة وهو ما سيفرض حرب شوارع غير محدودة.
 
المعارك بتكتيكها الحالي ستفرض على السكان النزوح إلى مناطق ومحافظات أخرى وهو ما حدث خلال الأيام حيث وصلت عشرات الأسر إلى صنعاء ومدينة إب في رحلة معاناة جديدة وباهظة الثمن على المدنيين الذين ستكون حياتهم قاسية للغاية، بسبب المتطلبات الكبيرة للعيش والتأقلم من جديد، وبعض الناس لا يجدون مصدر رزق أصلا وهم في منازلهم والنزوح سيجعل معاناتهم أكبر، اما خيار بقائهم في منازلهم فهي مغامرة قد تودي بهم خلال المعارك المتوقع حدوثها.
 
بالإضافة إلى أن نسبة الفقر العالية في محافظة الحديدة ستكون مشكلة معقدة للغاية مع احتمال توقف العاملين في الإغاثة الإنسانية في الوقت التي تشتد فيه المعارك والتي ستشكل خطراً على طاقم العاملين في الإغاثة، كل هذه الاحتمالات لا أحد يكترث لها في سياق التحشيد لمعركة عسكرية في أحياء وشوارع مدينة تكتظ بالسكان، وهو ما سيكرر سيناريو ما حدث في مدينة تعز خلال الحرب.
 
مستقبل مجهول ينتظر مدينة الحديدة التي تكتظ بالسكان، في الوقت الذي يعتزم الحوثيون مواصلة معركتهم مستميتين في التصدي للقوات الحكومية غير مدركين للحجم المهول من الخراب والضحايا، في المقابل تغيب الخطة العسكرية الحاسمة والسريعة من قبل القوات الحكومية والتحالف وبدا ذلك واضحاً خلال الأيام الماضية.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر