عن إمارة البحر..!


محمد علي محروس

  السباق المحموم نحو السيطرة الدبلوماسية على المنطقة، والاستئساد بقراراتها، ومحاولة النيل القسري من ثرواتها، كان سبباً رئيسياً لإعلان عزلة قطر عن محيطها العربي وبيئتها الخليجية.

صُدمت بحيثيات القرار الجائر يومها، لكن ردة الفعل القطرية الرزينة كانت كفيلة بامتصاص آثار الصدمة، والأخذ بي إلى رحلة الدبلوماسية القطرية الرشيدة، وطفرة التحديثات المتنوعة على كافة المستويات، والتوجه الفعلي نحو الاكتفاء الذاتي بالتزامن مع ربط علاقات إستراتيجية وبأبعاد زمنية مع دول خارج إطارها بغية الاستثمار والتمكن السياسي المستقبلي، وحدها السياسة القطرية أفلحت في إحداث توازن مرحلي مدروس، صد عملياً كل ما كان يحاك، ووقف في وجه عقارب الساعة، وأخذ يدور في فلك ومسار خاص، يؤكد كنه السياسة القطرية تجاه قضايا المنطقة وآمال شعوبها.

لا أذكر أنني تعلقت بدولة عربية بهذا الشغف سوى قطر، منذ طفولتي، وهي تشدني نحوها بجماليات أفعالها، ونقاط القوة التي تتميز بها من وضوح وعزيمة وإرادة تؤكد مدى التوجه المدروس لدولة باتت تحمل اسم إمارة البحر!
في مطلع الألفية الثانية، كانت بدايتي في رسم ملامح مستقبلي، وعلى الرغم من محاولات الوأد التي اعترضت طريقي لكنني ما زلت أخوض دون توقف، وسأصل.. كنت يومها في الحادية عشر من عمري، وكانت قناة الجزيرة تعني لي الكثير حين أشاهدها على الرغم من المرات القليلة التي فعلت فيها ذلك؛ بسبب عدم توفر الكهرباء في قريتي حينها..

شكلتني الجزيرة كما تريد، وتلك مفخرة لي، ومنبع اعتزاز دائم، ومثار تمسكي بحبي لقطر، الدولة التي أنشئت الجزيرة، وربطت بها مصير الإعلام العربي، ومفتاح التكوين للرأي العام العربي، وقد نجحت، وما تزال تشق الدروب من نجاح إلى نجاح، الجزيرة التي وقفت إلى جانب الشعوب في محنتها إبان الربيع ولا تزال واقفة إلى جوارهم في رحلة مواجهة ثورات الخريف الرامية إلى قتل الربيع العربي ومطالب الشعوب إلى الأبد.

لا زلت أتذكر أيضاً، إصلاح طريق قريتنا الواصل بين مديريتي العدين والجراحي، الذي لم تأبه له الحكومة على مدى سنوات من إقرار المشروع، حتى قررت قطر أن تعمل على إصلاحه وبمعايير دولية في العام 2006 وقد كان ذلك على أكمل وجه، وهذه هي ميزة تفردت بها قطر معية الكويت من دول الخليج، العطاء المكتمل دون من أو أذى، ولا مقابل يذكر، مهمة هذه الدولة لا يتجاوز الإنقاذ والوقوف إلى جانب الإنسان بعيداً عن انتمائه الديني والعرقي والفكري، وهل هناك دولة سوى قطر تحمل هذا الطابع وتتفرد بهذه الميزة؟

حاول المحاصرون أن يجعلوا من قطر دولة وحيدة، سجناً كبيراً، شعباً محاطاً بالبحر من كل اتجاه، فقفزت، وأنجزت، وما كانت تحققه بتأني، حققته خلال عام، كانت التنمية القطرية تمشي في ضوء ما هو مخطط له لكنها اليوم تركض، مستمدة ذلك من عزيمة أبنائها وقيادتها الحكيمة، ومن البحر الذي نصّبها أميرة له حين تكونت في بوتقته كلؤلؤة تفتحت للتو، فزادته جمالاً وزادها ألقا!

باتت الدوحة قبلة للأمل، وواحة غنّاء لمن أراد أن يستظل بالفكر القويم والرؤية السوية، بعيداً عن تجاعيد الصحراء، وغرور الكثبان الرملية، ومثالب الرمضاء التي انعكست على أهلها المُحاصرين.. تمكنت الدوحة من الهروب عن مستنقع الرأي الواحد، واستقلت برأيها، وكيانها، وهو ما تجلّى بموقفها العظيم إلى جانب الشعب الفلسطيني ومعارضتها الفعّالة لصفقة القرن وما قبلها من تهييئات تنصّب إسرائيل كدولة سيطرة واسعة النطاق على المنطقة وما حولها.

زاد الحصار قطر وهجاً، وتمكناً؛ ففتحت ذراعيها لاستثمارات العالم، فتقوم بالفعل وتستقبل الآليات التي تجعلها أقوى وأكمل، على كافة المستويات، وصولاً إلى قطر 2022 وقطر 2030 وكلاهما قاب قوسين أو أدنى، وأجزم أن ما تريده هذه الدولة سيكون.. هذه الجوانب تؤكدها مؤشرات التنمية المستدامة العالمية ومؤشرات التعليم الأولي والمتقدم الذي يجعل قطر في مقدمة دول المنطقة.

تظل قطر واضحة في سياستها، وخطوط دبلوماسيتها في التعامل مع القضايا الجوهرية إقليمياً ودوليا، كما أنها لا ترضخ بتلك السهولة ولا تتنازل وليس في قاموسها قابلية للإمّعة.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر