انحسر إعصار ميكونو عن أرخبيل سقطرى اليمني الواقع بين خليج عدن والمحيط الهندي، والذي ضربه في الثالث والعشرين من أيار/ مايو، مخلفاً خسائر فوق احتمال سكان الأرخبيل الفقراء والبنية التحتية الضعيفة نوعاً ما.
 
استوقفني مشهد وزير الثروة السمكية فهد كفاين، ومحافظ أرخبيل سقطرى رمزي محروس، وهما يتفقدان طرقاً تعرضت للدمار جراء السيول، في المنطقة الرابطة بين مدينة حديبو ومطار موري الواقعين على الساحل الشمالي لجزيرة سقطرى كبرى جزر الأرخبيل.
 
أظهرت الصور هذين المسؤولين اللذين ينتميان سياسياً إلى التجمع اليمني للإصلاح، المصنف من جانب التحالف على أنه "إخوان مسلمون"، وهما يسيران على أقدامهما الحافية، وفي ظل غياب الإمكانيات المادية والتقنية التي تساعد السلطة المحلية في المحافظة على مواجهة إعصار مداري مدمر، وإن كان أقل في قدراته التدميرية من إعصار "تشابالا" الذي ضرب الأرخبيل في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2015.
 
واحد من الأسباب التي راكمت طموح الامارات إلى حد أنها تصورت أن بإمكانها أن تجتزئ أرخبيل سقطرى وتضيفه إلى ممتلكاتها؛ هو أنها شعرت بأنه لا أحد في هذا الأرخبيل الذي يشكل فراغا جغرافيا وديموغرافيا، بالقياس إلى مساحته التي تصل إلى أكثر من 3600 كيلو متر مربع، وعدد سكان يناهز الـ150 ألف نسمة.
 
 
دخول الإمارات كان بداعي الإغاثة التي ساهمت فيها دول ومنظمات، قدمت إلى هناك لمساعدات سكان الأرخبيل ثم انصرفت
 
دخلت الإمارات إلى أرخبيل سقطرى من باب الإغاثة، مع ادعاءات بأن وجودها يعود إلى عام 2012. والصحيح هي أن دخولها كان بداعي الإغاثة التي ساهمت فيها دول ومنظمات، قدمت إلى هناك لمساعدات سكان الأرخبيل ثم انصرفت.
 
إن كان في إعصار ميكونو من خير، فإنه قد ضرب فيما ضرب الوجود المادي والأخلاقي للإمارات، رغم أنها بقيت متشبثة بكاميرا قناة "سكاي نيوز عربية"، وهي فرع من الإمبراطورية الإعلامية التي يمتلكها الملياردير اليهودي الأسترالي روبرت مردوخ.
 
فقد أَكثرَ مراسلُ القناة الذي كان متواجداً أثناء تعرض أرخبيل سقطرى للإعصار الأخير؛ من الإشارة إلى مستشفى "خليفة بن زايد"، وهي تسمية مراوغة لا تدل على أن الامارات استثمرت في البنية الصحية للأرخبيل، بقدر ما مارست السطو على المستشفى الذي بنته الحكومة اليمنية منذ سنوات، ولم تقم الإمارات بأكثر من تجديد جدرانه بالدهان، ولكنها طردت بعد ذلك الطاقم الإداري اليمني للمستشفى، واستبدلته بطاقم إداري هندي، وهي أعمال أصبحت محل تندر اليمنيين، خصوصاً في المحافظات الجنوبية.
 
لم يشهد أرخبيل سقطرى خلال إعصار "ميكونو" تدخلاً يذكر من جانب الامارات، التي كانت قد أعلنت أنها ستستبقى عناصرَ للمساعدة في الأعمال الإغاثية، وعوضاً عن ذلك قامت بالإيعاز لذبابها الالكتروني للتعريض باليمنيين الذين هاجموا مؤخراً الوجود العسكري للإمارات، وتذكيرهم بأن حملتهم حرمت أرخبيل سقطرى من المساعدات الإماراتية التي كانت ضرورية للأهالي في هذا الظرف الصعب.
 
ما يستوقفنا حقيقة هو أن إعصار "ميكونو" قد رحل مؤشراً على انحسار النزوع نحو الهيمنة والاحتلال ولدى أبو ظبي، لكن هذا النزوع يتحول اليوم إلى مخططات سيئة تستهدف أكثر من أي وقت مضى الدولة اليمنية وسلطتها الشرعية في عموم البلاد، وليس فقط في أرخبيل سقطرى.
 
فهناك معلومات ذات مصداقية عن أن الإمارات أوعزت إلى عملائها الانفصاليين بتصعيد تحركاتهم في المحافظات الجنوبية، بعد أن وقفت بقوة ضد بقاء رئيس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر في العاصمة السياسية المؤقتة، عدن.
 
فهذه العاصمة اليوم بلا محافظ، فيما يغيب عنها رئيس الدولة ورئيس الحكومة، ولم يعد موجودا سوى نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية المنحدر من محافظة أبين الجنوبية؛ التي ينحدر منها أيضاً الرئيس عبد ربه منصور هادي.
 
لكن الوزير الميسري مضطرٌ للإقامة في ثكنة محصنة لا يستطيع أن يغادرها للقيام بدوره كوزير للداخلية داخل عاصمة بلاده، وهو وضع يؤشر إلى المستويات الدنيا التي انحدرت إليها علاقة التحالف بالسلطة الشرعية.. انحدار يعمق المأزق الذي تعيشه السلطة الشرعية، ويضع المزيد من التعقيدات أمام مهمة التحالف، في ظل تحول أهدافها نحو تدمير الدولة اليمنية، وفي ظل الارتدادات الدولية الخطيرة، التي كان آخرها اعتماد مشروع قرار من قبل لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي يقضي بمنع الطائرات الأمريكية من تزويد الطائرات السعودية بالوقود جوا إذا أخفق وزير الخارجية مايك بومبيو في الإفادة بأن الحكومة السعودية تبذل جهودا لإنهاء الحرب، وتسهيل وصول المواد الغذائية والأدوية للمدنيين، وتجنب التأخير غير الضروري لوصول شحنات الإغاثة، وتقليل المخاطر التي يتعرض لها المدنيون، في حين طالب الكونجرس بالتحقيق العلني في مشاركة جنود أمريكيين باستجواب سجناء يمنيين يتعرضون لأعمال تعذيب وحشية في سجون سرية تشرف عليها الإمارات بجنوب اليمن.
 
لطالما ركنت أبو ظبي إلى أن مهمتها في اليمن محمية بالغطاء الأمريكي الذي يجد مبرراً في ما يعتقد أنها المهمة الأساسية للإمارات في اليمن، وهي مكافحة إرهاب تنظيم القاعدة وداعش. وما نراه اليوم هو بداية انحسارٍ للتغطية الأمريكية، وإن كان الرهان يبقى معقوداً على إرادة اليمنيين أنفسهم في لجم طموح التحالف وإعادته إلى الأولويات التي قدم من أجلها إلى اليمن.
 

*عربي21

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر