أثارت دورية "إنتلجنس" الفرنسية الاستخبارية، عددا من المسائل حول التوجهات الاستخبارية الجديدة لجماعة الحوثيين، بعد الضربات الدقيقة، التي نفذتهما طائرات التحالف على مواقع حوثية، في إبريل/ نيسان من العام الجاري 2018، وأدّت واحدة منها إلى مقتل رئيس ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى" لسلطة الحوثيين، صالح الصمّاد، المطلوب الثاني في قائمة الأربعين، المعلن عنها من قبل التحالف العربي، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017.
 
من بين هذه التوجهات، قيام الحوثيين بتطوير الأداء الاستخباري في أجهزتهم المعنية بذلك، وتمكين عملائهم من العمل، بكفاءة وفاعلية أكبر، في العمق السعودي، بالتنسيق مع مناوئين للحكومة السعودية، ومن بين أولئك، وفقا لما أورده التقرير، من وصفهم بـ" أحرار نجران"، والقيام بنشاط مماثل في الأراضي الإرتيرية، التي تتمركز فيها قاعدة عسكرية إماراتية، بما يمكّن من تنفيذ أعمال تخريبية فيها، وبإشراف جهاز الأمن القومي، الذي شرع في الإعداد لذلك، مستعينا بمستشارين من الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني.
 
لا أعتقد أن هذه المعلومات مأخذوه من مصادر موثوقة داخل أقبية المخابرات الحوثية، بل جاءت في سياق التوقع، الذي اعتمد فيه واضعو التقرير على رصد أنشطة قادة جماعة الحوثيين، وخطاباتهم السياسية، خلال عشرين يوما من واقعة استهداف صالح الصماد، وما أثير إعلاميا حول تداعيات ذلك، داخليا وخارجيا. ولعل ما يدلل على هذا الاعتقاد، الإضافات الشحيحة للتقرير، التي لم تحدد بدقة، الزمان، والمكان، والشخوص، في كثير من ما تضمنه، بقطع النظر عن ورود بعض الإشارات إلى ذلك، رغم أن معظمها كان متداولا قبل صدوره.
 
الجدل المتداول الآن، يحاول وضع أنصار الرئيس السابق، علي صالح، في دائرة الاتهام، بوصفهم مصدر تسريب للمعلومات حول تحركات الحوثيين، وأماكن وجودهم، لا سيما ما يتعلق بقائمة الأربعين، مع أنه لم يعد هنالك من يمكنه تسريب أي معلومات من هذا القبيل؛ لأن أنصار صالح باتوا خارج دائرة تداول المعلومة الاستخبارية، أما من أبقي عليهم، فيخضعون لرقابة صارمة على وسائل اتصالاتهم، وشبكات علاقاتهم. والحقيقة الواضحة، أن الرفض الشعبي للحوثيين دفع البعض إلى المخاطرة، للكشف عن أي معلومات من شأنها تمكين التحالف من اصطيادهم بسهولة ويسر، كما أن حرب المخابرات لها رجالها  غير المعروفين، سواء في هذا الطرف أو ذلك.
 
ما من شك أن مقتل الرئيس السابق، علي صالح، والإجراءات الإقصائية، التي اتخذت بحق العاملين السابقين في الأجهزة الاستخبارية الرسمية، كان لها أثر سلبي في كفاءة وفاعلية الأداء الاستخباري لهذه الأجهزة بعد استفراد جماعة الحوثيين بها، خاصة في المستوى الأدنى لقيادة هذه الأجهزة؛ نظرا لتقلص انتشار ذوي الخبرة من عناصرها الأساسيين في الأوساط العسكرية والحكومية والشعبية، واتساع الفجوة بين هذا المستوى ومستوى القيادة الوسطى، التي جرى إزاحة بعض عناصرها، بإحلال عناصر موالية للجماعة، وذات خبرات محدودة.
 
بالعودة إلى التقرير، فإن أغلب ما ورد فيه حول النشاط المخابراتي لجماعة الحوثي، لم يكن مرتبطا بالاستهدافات الأخيرة، التي طالت بعض قادتها؛ فمثل هذه الأنشطة سبق أن رُصدت، وهي محصلة طبيعية لجهود الحوثيين الاستخبارية المتشابكة مع أطراف دولية وغير دولية حليفة، وعلى رأس ذلك إيران وحزب الله.
 
ومع ذلك لا مجال لإنكار وقوع تحول في بنية وأداء أجهزتها الاستخبارية، وتدابير الأمن الحربي للوحدات العسكرية، والأمن الشخصي للقادة العسكريين والسياسيين؛ حيث بدا ذلك، واضحا، في تقلص ظهور القادة البارزين للجماعة، خلافا لما كان سائدا قبل مقتل الصماد. فمثلا: مهدي المشّاط، الذي خلف الصماد في منصبه، ورئيس ما يسمى "اللجنة الثورية"، محمد علي الحوثي، تقلصت تحركاتهما إلى حد كبير، وازداد ذلك بعد استهداف طيران التحالف مكتب رئاسة الجمهورية بصنعاء، في الأسبوع الأول من مايو/ آيار الجاري 2018.
 
في ما يخص تطور الدعم الأمريكي الاستخباري واللوجستي للتحالف، إلى دعم مباشر بالقوات المسلحة، خاصة في الجانب السعودي؛ فقد سبق أن نشرت صحيفة نيويورك تايمز، أوائل مايو/ آيار الجاري 2018، خبرا يفيد بنشر قوات أمريكية، لدعم القوات السعودية على الحدود مع اليمن، في ديسمبر/ كانون الأول 2017، إثر الهجمات الصاروخية، التي شنها الحوثيون على الرياض، في ذات الشهر وقبله. وكان فريق خبراء مجلس الأمن، المعني باليمن، الصادر عام 2017، قد أكد على لسان رئيس العمليات المشتركة لعملية "إعادة الأمل"، على وجود ضباط أمريكيين في قيادة العمليات المشتركة، يعملون، جنبا إلى جنب، مع ضباط بريطانيين، وفرنسيين، وماليزيين.
 
أعتقد أن التعاون الاستخباري السعودي الأمريكي ازداد فعلا، وبشكل أكبر، بعد الهجمات الصاروخية الجماعية، التي طالت الرياض ومدنا سعودية أخرى في مارس/ آذار 2018، وأن ذلك مثّل استجابة لتوصيات عديدة وجهها خبراء عسكريون أمريكيون إلى إدارة ترامب، بضرورة تطوير الدعم العسكري القائم مع التحالف، خاصة السعودية، لمواجهة تهديد هذه الصواريخ، بعد كشف هويتها الإيرانية؛ لأنها، وفقا لأولئك الخبراء، لا تهدد السعودية فحسب، بل ومصالح الولايات المتحدة. وقد جاءت هذه التوصيات في وقت كان ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، محمد بن سلمان، يقوم بزيادة إلى واشنطن، وفي ظل توصيات سابقة مماثلة، على خلفية تهديد الحوثيين لأمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
 
أما ما أورده تقرير “إنتلجنس” بشأن طلب زعيم جماعة الحوثيين من رئيس جهاز الأمن القومي، عبدالرب صالح أحمد جفران، إجراء مراجعة شاملة لجهاز الأمن القومي، فقد بدأت هذه الخطوة قبل مقتل الرئيس السابق علي صالح، بثلاثة أشهر، ثم استُكملت بعد مقتله مباشرة، وذلك بالتزامن مع تغييرات أخرى طالت هيئة الاستخبارات العسكرية بوزارة الدفاع، في أغسطس/ آب 2017، حين أصدر الصماد، دون مشاورة كتلة حزب المؤتمر في المجلس السياسي، الذي يرأسه، قرارا بتعيين عبدالله يحيى الحاكم (أبو علي)، رئيسا لهذه الهيئة.
 
الحقيقة أن هذا الإجراء مثّل خطوة استباقية لإحباط أي حركة انقلابية، قد يقوم بها ضباط وزعماء قبائل موالون لصالح، بعد تزايد الشكوك حول تحركات من هذا القبيل، وقد كشف عن ذلك أبو علي الحاكم، نفسه، في لقاء مع مجموعة من مشائخ وأعيان قبائل طوق صنعاء، أثناء محاصرة منزل صالح، مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2017، مبيّنا قيام صالح بالتنسيق مع الإماراتيين والسعوديين، ومع نائب رئيس الجمهورية في السلطة الشرعية، الفريق علي محسن. وبالمثل، نفذ القائم بأعمال رئيس جهاز الأمن السياسي(التابع للحوثين)، اللواء عبدالقادر الشامي، تغييرات واسعة في جهازه، بعد لقاء جمعه بالصماد، قبل أسبوع من اندلاع أحداث ديسمبر/ كانون الأول، كما يحتمل أن يكون قد بادر إلى مثل ذلك بعد هذه الأحداث.
 
اعتمد تقرير “إنتلجنس” في ما يخص نوايا الحوثيين، وبمساعدة إيران وحزب الله، استهداف قاعدة عسكرية إماراتية بميناء عصب الإريتيري، على تهديدات قادة الجماعة الحوثية، باستهداف الإمارات بالصواريخ، ولكن التقرير حوّل وجهة هذا التهديد إلى قاعدة عصب، وهو أمر ليس بجديد. فوفقاً لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن تقارير صادرة في سبتمبر/ أيلول 2017، أشارت إلى تعرض سفن إماراتية بقاعدة عصب، لهجوم خاطف بقذائف هاون، أطلقت من زورق صغير، بالتزامن مع هجمة أخرى برمائية، استهدفت مهبطا للطائرات الحربية الإماراتية في المكان ذاته، إلا أنه لم يشر، صراحة، إلى ضلوع جماعة الحوثي في ذلك، وأن الشكوك تدور حول تورط جهات دولية أو غير دولية فيها، علي سبيل الاصطفاف مع الحوثيين في مواجهة التحالف.
 
خلال العامين الماضيين، تمكن الحوثيون من الحصول على زوارق سريعة، وطائرات دون طيار صغيرة، دفع بها في مسرحي العمليات البحري البري، للحصول على معلومات تخدم الهجمات الصاروخية والعمليات الأخرى، التي تنفذ في هذين المسرحين، وقد تمكنوا من تحقيق ذلك بشكل ملموس، لكنه، في المقابل، كشف عن صعوبة قائمة في الحصول على المعلومات عبر مصادر التخابر المزروعة في أراضي الخصوم؛ نتيجة لتدابير الوقاية والتصدي المتبعة، ولعل مثال ذلك، إحباط الأجهزة الأمنية بمارب عدد من العمليات التجسسية والتخريبية خلال ثلاث سنوات من الحرب.
 
مهما بلغت قوة الاستراتيجية الاستخبارية الجديدة لجماعة الحوثي، ومهما بلغ حجم الدعم الخارجي لها، فإنها لن تحقق غايتها على الوجه المطلوب، لما يتمتع به التحالف من إمكانيات كبيرة في الوقاية والتصدي، مع ما يوفره الجانب الأمريكي من الدعم الاستخباري، والاستنفرار الأمني العالي، الذي ساد مؤخرا أجهزة الأمن السعودية، وقد على ذلك عملية الاعتقال، التي طالت ثمانية أشخاص، الأسبوع الجاري، في ما وصف بخلية "عملاء السفارات"، بقطع النظر عن ملابسات ذلك ونتائج التحقيق.


*المقال خاص بـ "يمن شباب نت"

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر