يعتبر شهر رمضان شهر الخير والتسامح والمحبة والتصالح العادل  في الوعي الديني والأخلاقي وتشكل عباداته الدينية بما فيها  الصيام والصدقات والزكاة والتراويح والعبادات بأشكالها وشعائرها عوامل نفسية وروحانية  فرصة مهمة للنفس البشرية التي ينزغها الشيطان بكل الشرور، كي تراجع نفسها وخاصة أولئك الذين يصنعون المآسي والجرائم.

وحل شهر رمضان المبارك هذا العام  أسوأ مراحله بجميع المستويات منذ ثورة سبتمبر قبل أكثر من نصف قرن، وهو انحدار مريع كاف ليكون محطة مهمة للمراجعة لكل القوى والأحزاب والمكونات الاجتماعية والسياسية في اليمن.
 
غير أن رمضان هذه المرة كان مختلفا حتى لصناع الكارثة باليمن وأعني هنا بدرجة أساسية المؤتمر الشعبي العام كحزب حاكم لليمن منذ أربعة عقود وحتى اليوم، وعلى وجه أدق رمضان هذا العام يأتي وأسرة صالح التي كانت جزءا رئيسيا وفاعلا في صناعة الأزمات اليمنية المتلاحقة والمستدامة وهي تتجرع مرارة أفعالها وخطاياها الكثيرة التي لا تنتهي إلا بخطايا أشد فداحة، ونتيجة أخطائها المتراكمة  صارت تتجرع مع بقية الشعب نتائج فعالها، فلا زعيمها مدفون ولا أسرتها ململة وبعضها في السجون وآخرون في المنافي غير أنهم كلهم كأسرة وحزب رغم كل هذه الكوارث مستمرون بنفس الخطيئة، أي إصرارهم على أن يكونوا هم الدولة والسلطة والقانون أو الخراب العظيم.
 
لا زال طارق صالح يريد محاربة الحوثي شرط أن يكون هو الدولة القادمة وتحالف معهم قبل سنوات على أن يكونوا هم جزء مشارك في الدولة، ولا زالت قيادات المؤتمر الشعبي العام المشتتة في الداخل والخارج بين الشمال والجنوب بين الحوثي والشرعية بين الامارات والسعودية وإيران تعمل بكل السبل على السيطرة والاستحواذ على السلطة.
 
فهل يستغل المؤتمر الشعبي العام بأسرة صالح وشبكاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية شهر رمضان ليصطفوا إلى جانب الشعب اليمني في مواجهة الإمامة من أجل الدولة الجمهورية والديمقراطية، وليس من أجل الدولة التي يصيغونها على هواهم؟ خاصة وأن هناك إجماع شعبي على معاداة الإمامة ومحاربتها بكل الوسائل بما فيهم أنصار صالح، ويمكن أن يشكل رمضان هذه المرة بمراراته المأساوية نقطة للمراجعة.
 
لا نعرف ذلك بل نأمل، ونتمنى أن يشكل رمضان نقطة للمراجعة الشاملة وللمصالحة الوطنية بين القوى السياسية والشعبية المناهضة للإمامة على أن تكون أولى نقاطها ومبادرتها صادرة من المؤتمر الشعبي العام بشقيه الشرعي بقيادة هادي ومحسن وبن دغر وبقية القيادات المؤتمرية التي عادت للعمل تحت لواء الشرعية، والشق الثاني القيادات المؤتمرية التي هزمتها الإمامة في ديسمبر الماضي بقيادة أسرة صالح وعلى رأسهم طارق  وعلي عفاش الحميري وبقية أفراد الأسرة وشبكاتها.
 
وأهم تلك النقاط هي الاعتراف بدورها في الخراب والدمار والانهيار الشامل الذي أصاب الدولة اليمنية بشكل غير  مسبوق ولا مثيل له، اعتراف مقرون بالندم الحقيقي والاعتذار والاستعداد لمقتضيات ذلك الاعتراف بما فيها إمكانية الاعتزال السياسي كخطوة تعبر عن صدق توجههم نحو إصلاح خطأهم، ويأتي بعد هذه النقطة الفصل بين الدولة والنظام السياسي لدى المؤتمر الشعبي العام المسيطر في جميع الأحوال على الدولة وانتهاج سياسة جديدة بعيدا عن الفساد ونهب موارد الدولة ومؤسساتها وتجييرها لصالح الحزب، ثم القبول من حيث المبدأ على الشراكة الحقيقية مع القوى الأخرى في الدولة  وفقا للقانون والشراكة الفاعلة وليست الشراكة التي تضيف المشروعية فقط  وتشكل غطاء للنهب.
 
أما إن استمر في عقلية الاستحواذ والسيطرة وهو ماهر في هذه النقطة فليس هناك في الأفق أي فرصة للحزب بشبكاته وعوائله أمل في النجاح، صحيح أن حزب المؤتمر الشعبي الآن يسيطر على السلطة التنفيذية في الدولة بقيادة هادي ونائبه وبن دغر، ويسيطر أيضا على أغلبية الجهاز التنفيذي للدولة والحكومة، ويسيطر أقارب وأنصار الأسرة والحزب على قيادات الجيش وعلى المجلس الانتقالي الجنوبي وعلى كثير من التحالفات والأحزاب ولهم علاقات جيدة مع دول الإقليم والتحالف إلا إن ذلك غير كاف لاستعادة السلم والأمن والدولة في اليمن ولن يكون بمقدورهم بهذا كله دفن جثة كبيرهم صالح.
 
وإن استغلوا الإجماع الشعبي لمناهضة الإمامة من أجل الدولة وتنازلوا عن مصالحهم غير المشروعة لأجل الدولة والمقاومة فإنهم سيكونون قد خففوا نقمة الغضب الشعبي الساحق تجاههم؛ ذلك أن هزيمة أسرة صالح أمام الإمامة في ديسمبر الماضي ليست كافية ولا مبررا لينسى الشعب جرائم الحزب والأسرة بحقه خلال أربعة عقود.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر