يأتي مقتل القيادي في جماعة الحوثي ورئيس مجلسها السياسي، صالح الصماد، تطورًا لافتا في سياق الحرب في اليمن. وفي حين سوّق التحالف العربي هذه الواقعة أهم انتصار استخباراتي منذ بدء الحرب، كون صالح الصماد المطلوب الثاني على لائحة التحالف، والقيادي الحوثي الأرفع رتبة الذي نجحت في التخلص منه، بينما هدّدت جماعة الحوثي بحربٍ مفتوحةٍ ضد دول التحالف، انتقاما لمقتله، وسواء صدقت الرواية الرسمية لجماعة الحوثي أنه قضى في غارة لطيران التحالف العربي في مدينة الحديدة، أو أن مقتله كان جزءا من سيناريو تنافس أجنحة جماعة الحوثي، أفضى إلى هذه النهاية، إذ من الصعب ترجيح رواية حقيقية، فالأهم هو دلالة مقتل الرجل في سياق تطور جماعة الحوثي ومستقبلها، وانعكاس ذلك على الوجهة التي تمضي فيها الحرب في اليمن.
 
بمقتل صالح الصماد، خسرت جماعة الحوثي واجهتها السياسية البارزة على الصعيد المحلي والإقليمي، إذ فقدت مهندس الارتباط مع بقايا حزب المؤتمر الشعبي العام بعد قتلها حليفها السابق على عبد الله صالح، إذ يعد الصماد أحد القيادات العليا في جماعة الحوثي التي تحظى بقبول لدى بقايا "المؤتمر"، وذلك للدور الذي لعبه بعد مقتل صالح، إذ كبح، إلى حد ما، عنف الجماعة حيال أنصار صالح. كما فقد التحالف العربي، ربما، أحد الشخصيات السياسية الوسطية داخل جماعة الحوثي التي قد تجنح إلى الخيار السياسي لحل الأزمة اليمنية. ومن ثم فإن مقتل الصماد كان انتصاراً للجناح المتشدد داخل جماعة الحوثي، وأجّل مقتله نوعاً ما جولة الصراع بين أجنحتها.
 
تعكس التضحية برأس الذراع السياسي لجماعة الحوثي طبيعة التحولات الداخلية في هذه الجماعة، بما فيها المسارات التي أنتجت مراكز قوى جديدة، دخلت في تنافسٍ مع مراكز القوى القديمة، ثم في صراعٍ غير متكافئ، فبعد انقلابها على السلطة الشرعية، أدركت جماعة الحوثي حاجتها إلى قوة سياسية تمثلها، وكان ذلك تكيفاً مع تحولها إلى سلطة أمرٍ واقع أكثر من كونه تحولا طبيعيا داخل الجماعة؛ فبموازة جناحها العسكري المليشيوي، حرصت الجماعة على تخليق ذراع سياسي ينسّق علاقتها مع حلفائها وخصومها.
 
 وكان صالح الصماد جزءا من هذه الطبقة السياسية الناشئة، إلا أن تجذّر الجناح العسكري المليشيوي لجماعة الحوثي، باعتباره ذراعا رئيسا فيها، وامتدادا لعقيدتها الدينية المقاتلة، وكذلك لاعتماد الجماعة عليه قوة باطشة لفرض وجودها على القوى السياسية الأخرى، إضافة إلى خضوع قرار جماعة الحوثي السياسي والعسكري للقيادة الدينية التي يمثلها زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، قد أعاق تحول الذراع السياسي للجماعة إلى قوة مؤثرة، سواء داخل الجماعة أو خارجها، إذ تمركزت سلطة جماعة الحوثي في اللجنة الثورية العليا التي تعد، بتركيبتها وبنيتها، ومؤهلات المنتمين إليها، وكذلك ارتباطها المباشر بزعيم الجماعة، التمثيل الحقيقي لهوية جماعة الحوثي. لذا كانت أداة الجماعة لاختراق مؤسسات الدولة، ثم آلية لإقامة هيئةٍ توازي الدولة وتحل محلها، وكان ذلك أحد أوجه خلاف سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي مع الجماعة بعد اجتياحهم صنعاء، ثم مع صالح إبان تحالفه مع الجماعة.
 
 وبالتالي نافست اللجنة الثورية الذراع السياسي للجماعة الذي يمثله صالح الصماد على السلطة والنفوذ والثروة، وتحول التنافس بينهما مع مراكز قوى أخرى، في مرحلة لاحقة، إلى صراع مكشوف.
 
فرض تشكيل المجلس السياسي، باعتباره إطارا تنظيميا لتحالف جماعة الحوثي مع حزب صالح، تنامي قوة الذراع السياسي للجماعة، إذ ترأسه صالح الصماد، وعمل على تجييره لصالح جماعة الحوثي، إلا أن ذلك لم يشكل فارقاَ كبيراً في توجه الجماعة الذي غلب عليه المنحى العسكري في إدارة علاقتها مع حلفائها وخصومها.
 
 ومن ثم عملت قوى فاعلة داخل جماعة الحوثي على تقليص نفوذ القوى السياسية التي يمثلها الصماد، في مقابل تدعيم نفوذ اللجنة الثورية برئاسة محمد الحوثي. على الرغم من حلها بمقتضى تشكيل المجلس السياسي ونقل سلطتها إليه، ظلت اللجنة الثورية تمارس أعمالها بوصفها سلطة موازية لمؤسسات الدولة، من خلال تكريس سلطة المُشرفين باعتبارها هيئة رقابية على الإداريين، وتحولت مع الوقت إلى تنفيذية، فضلاً عن تجاوزها سلطة المجلس السياسي الأعلى، وتعطيلها مهام حكومة الانقلاب.
 
حسم مقتل علي عبدالله صالح وجهة الصراع داخل جماعة الحوثي، إذ أدى اختفاء خصم لدود خاضت معه الجماعة تجاذباتٍ سياسيةً في تشكيلات سلطة الانقلاب أولاً، ثم معركة عسكرية لاحقاً، في نقل الصراع إلى داخل جماعة الحوثي، كما أدّى تحول الجماعة إلى سلطة وحيدة في المناطق الخاضعة لسيطرتها في تصعيد الصراع بين أجنحتها، إذ جعل الجماعة في مواجهة بنيتها التنظيمية، ثم في مواجهة أذرعها المتعددة التي تمثل مراكز قوىً بزعامات عسكرية وسياسية واقتصادية متنافسة، لكن مراكز القوى داخل الجماعة، وتحديدا العسكرية منها، أجلت مواجهتها مع الذراع السياسي.
 
 حيث كانت جماعة الحوثي بحاجة بعد مقتل صالح إلى فرض سيطرتها السياسية على المناطق الخاضعة لها، عبر تقديم صالح الصماد رئيسا لسلطتها السياسية، وكذلك للاعتماد عليه في حل المشكلات المترتبة على اغتيالها علي عبدالله صالح، وعمل الصماد، عبر رئاسته ما يسمي المجلس السياسي الأعلى، على مأسسة سلطة الانقلاب، بحيث يعكس، إلى حد ما، طبيعة المؤسسة الرئاسية المشوّهة التي أوجدتها جماعة الحوثي، إلا أن محاولات الصماد مأسسة سلطة الانقلاب اصطدمت، في المقام الأول، وقبل رفض المجتمع الجماعة، بالأذرع الأخرى للجماعة التي عملت على شل بعضها بعضا.
 
بعد استتباب الأوضاع لها في مناطق سيطرتها عقب قتلها صالح، بدت الرؤوس العديدة لأجنحة جماعة الحوثي تسعى لحسم الصراع بينها، عبر إزاحة بعضها بشتى الطرق، وانعكس ذلك ليس فقط في افتقار الجماعة لسلطة سياسية موحدة تدير المناطق الخاضعة لها، وإنما في تداخل وظائف أجنحة الجماعة التي أصبحت أكثر تغوّلاً.
 
ولم يمضِ وقتٌ حتى تكرس رئيسان لسلطة الانقلاب، يتنازعان مع مراكز القوى التابعة لهما على السلطة، وتمظهر الصراع في عدة مؤشرات، منها تنامي حوادث اغتيالات لقيادات حوثية من مجهولين في العاصمة صنعاء، وبعض المدن الخاضعة لسيطرة الجماعة، وكذلك منازعة رئيس اللجنة الثورية لسلطة المجلس السياسي وصلاحياته، واحتكاره الخطاب السياسي للجماعة، عبر تصعيده الإعلامي ضد الشرعية اليمنية والتحالف العربي.
 
 فيما بدا الصماد متذبذباً في خطاباته بين قبول التسوية السياسية والتصعيد العسكري في عامه "الباليستي"، إلا أن تفوق اللجنة الثورية على أجنحة الجماعة، بما فيها القوة السياسية التي يمثلها الصماد، وذلك لاعتماد الجماعة على مقاتليها الذين يشكلون القوة المساعدة لبقايا الجيش الذي يخوض المعارك في جبهات القتال، فإن صالح الصماد، مهما حاول أن يبدو مقاتلاً شرساً لمجاراة جناح الصقور، ويتبنّى منطق جماعة الحوثي في أن تكون الحرب وحدها، وحتى النهاية، الخيار الوحيد لها، فإنه بدا في الأشهر الأخيرة، وكأنه يخسر المعركة. وبالتالي كانت مسألة إزاحته أو إبعاده عن الواجهة السياسية للجماعة مسألة وقت لا أكثر.
 
في المطلق، لا حمائم في الحرب، فالحيوانات الأكثر شراسةً ودمويةً هي من تُحدث الحرب وتقودها، وتحرص على استمرارها. لذا ففي مرحلة ترتيب الغابة لحربٍ طويلةٍ ومفتوحةٍ، لا بد من التضحية بالأقل جنوناً.
 

*العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر