عن عبقرية نكتة سياسية


صلاح م. إسماعيل

 
تقول النكتة بلهجة عامية أن " الجنود حق طارق كلما شافوا الأباتشي تضرب هربوا كلهم، عادهم مش متعودين عليها".
 
تختصر هذه النكتة البليغة الحالة اليمنية بشكل مثير للضحك و الأسى في آن. فجنود طارق صالح كانوا إلى قبل أشهر يقاتلون ضد التحالف و الشرعية و يتعرضون للقصف بالطيران و الاباتشي و يفرون عند سماع أزيزها.
 
دارت العجلة و اختلفت المواقع فأصبح صديق الأمس عدو اليوم و عدو الأمس صديق اليوم. و وجد هؤلاء الجنود أنفسهم يقاتلون جماعة الحوثي في محافظة الحديدة على الساحل الغربي، بعد أن ظلوا لقرابة ثلاثة أعوام يقاتلون مع الجماعة و في صفوفها و تحت شعارها الشهير.
 
تسخر النكتة بطريقة لاذعة كيف أن هؤلاء الجنود لم يعتادوا بعد أن الاباتشي أصبحت تقاتل في صفوفهم، و مازال سماعها يربكهم و يوترهم و يجعلهم يهمون بالفرار منها. فالمدة بين قتالهم مع جماعة الحوثي و قتالهم ضدها لا تتعدى بضعة أشهر. و لم يأخذ الجنود فترة إجازة بين القتال على جانبي الحرب، حتى يعتادوا على وضعهم الجديد. و بين مع ضد اختلفت المبررات و الخطاب الإعلامي 180 درجة. فهؤلاء الجنود كانوا يغذون بالجمل التي تحثهم على محاربة العدوان على اليمن من قبل التحالف كقوات احتلال، ثم أصبحوا يغذون بخطاب متعارض و مختلف تماما؛ بأنهم يقاتلون مع التحالف العربي لمواجهة التمدد الإيراني في اليمن و من أجل استعادة اليمن من يد الإماميين الحوثيين.
 
تناولت النكتة هذه الحالة الغرائبية في صراع اليمن بشكل مختصر يحكي كل شيء تقريبا. فحالة التحالفات في اليمن متناقضة و متبدلة بشكل لا يمكن تصوره أو توقعه. ففي داخل كل طرف من طرفي الصراع أطراف متصارعة. الذي اختلف أن الحوثي أصبح مع مرور الوقت طرفا وحيدا يواجه أطرافا مجتمعه على محاربته لكنها مختلفة فيما بينها، و ربما ينتهي التحالف بينها كما انتهى التحالف بين صالح و الحوثي و نجد أنفسنا في هذه الحرب داخل تحالفات جديدة يتم فيها سلق مبررات و خطاب جديد على عجل. و هذا طبعا ليس حكرا على صالح و جماعته، فالحراك الجنوبي الممول إماراتيا أصبح بين ليلة و ضحاها حليفا لطارق صالح و في خندق واحد.
 
هكذا تصبح هذه الحالة المضحكة المبكية بيئة خصبة للنكتة السياسية اللاذعة الساخرة و الشامتة من المحاربين بالوكالة، الذين لا يحاربون من أجل قضية أو مبدأ أو هدف نبيل، بل من أجل مصالحهم التي تتبدل و تتغير مع مرور الوقت، و دون الشعور بالخجل.
 
ولست منحازا أو مبالغا حين أقول أن شباب وقوى 11 فبراير -فقط- من يستطيعون تعريف الصراع الحاصل باعتباره قائما بين شرعية و انقلاب و دولة و ميليشيات و أن أي تحالف ينبغي أن يأخذ هذا الأمر في الاعتبار، فكراهية الحوثي لا تكفي إن كنت لا تقر بالشرعية و تقاتل تحت قيادة الجيش الوطني. و دون ذلك لن يعني أكثر من أن ميليشيات تتحالف مع مليشيات ثم تختلف و تتقاتل فيما بينها، و لا تلهم إلا أصحاب الحدس في النكت السياسية كما في نكتتنا الحاضرة.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر