‏شجاعة في غير محلنا


نور ناجي

 ‏تتحمل صنعاء الكثير من اللوم والتأنيب القاسي، على الرغم من أن المتأمل المحايد للصورة سيجدها صُبت "بكل اتقان" على نفس القالب الذي صنعنا وشكلنا منه مدينة تائهة معطوبة كسكانها، استمرأت القهر، وتلذذت بالخضوع المذل، بعد أن فقدت القدرة على الغضب وملأتها رائحة الوهن.
 
‏أظهرت عدة فيديوهات متداولة في الأسابيع الماضية طالبات مدارس يقفن أمام مشرفي جماعة الميليشيا المحتلة لصنعاء، بتحدٍ وشجاعة كبيرة، رافضات ترديد الصرخة. استبدلنها بكل بساطة ودون أن يترددن للحظة: "بالروح بالدم نفديك يا يمن".
 
لم يدركن أنهن بذلك التصرف كن يقتلن الكائن الأسطوري، الذي بنى لنفسه سمعة وحشية جعلته يتلاعب بالموت ويحوله لمجرد لعبة صغرى بين أصابعه. ولقد تساقطت أوصال ذلك الوحش عبر ابتساماتهن الفتية وسخريتهن المرّة..
 
‏آخر ما تم تداوله: مشرف هائج في ساحة مدرسة ما، يحاول ضرب الطالبات لمخالفتهن شروط الولاء والطاعة بتجاهلهن صرخته، فأخذنّ يتلفقنه من مجموعة إلى أخرى وكأنهن في رحلة سفاري لصيد البشر، وهو يجري وينبش تحت آثار دعساتهن باحثاً عن صدى مبتغاه، بيد أنه لم يجد غير السخرية التي أظهرته مجرد غبي، أو مجنون لا يستدل طريقه.
 
‏أعدت مشاهدة الفيديو مرات عديدة، وقد وجدت به كلمة "لا"، التي طالما حلمت بالهتاف بها، مختلطة بمشاعر غريبة تبخرت متطايرة مع حروفي قبل أن أجد الوقت الكافي لتدوينها.
 
‏لا أنكر شعوري بارتياح ممزوج برعشة من خجل سرت بي، بعد أن اكتفيت من المطاردة الهزلية. فلا زال هناك أمل يحمله الصغار. أمل جعلهم يؤدون واجب عجز عنه آبائهم. ربما أُداري بعض من ذلك الخجل بقليل من المبررات، وأنا أتلفت حولي خشية أن تمسك بي إحدى تلك الطالبات متلبسة بأعذاري..!!
 
‏على سبيل المثال: لوحدي لا أستطيع فعل شيء. مثل هؤلاء الطالبات، لا يعرفن تبعات ومخاطر ما يقمن به، ولا يتحملن من المسؤوليات ما نتحمله نحن الكبار. كل ما في الأمر أننا بانتظار تسوية سياسية وشيكة، فلا داعي لخوض مغامرة غير محسوبة النتائج!!..
 
‏أسرد الأعذار، وأنا في "منزلي"، متشبثة بحقيبتي الصغيرة، خوفاً أن ينتشلها لص بدراجة نارية عبر مدينتي منذ أربع سنوات، وأكمم بيدي حقيقة أن الصغار افقدونا القدرة على التظاهر بمكسب فخر مجاني، أو تحمل وسام شجاعة ليست في محلنا.
 
‏" الشجاعة التي نريدها، ونُكافئ عليها، ليست شجاعة الموت بطريقة مشرفة، بل شجاعة الحياة برجولة". (توماس كارليل).
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر