باحثون يكشفون لـ"يمن شباب نت" أسباب ومسئولية "تراجع" ثورة سبتمبر بعد نصف قرن..فماهي الحقيقة الصادمة اليوم؟ (تقرير خاص)

 

 بعد نصف قرن ونيف على انطلاق ثورة 26 سبتمبر 1962، كان ينبغي أن يكون اليمن الأن ضمن الدول والشعوب المتقدمة والعريقة، فيما لو مضى قدما نحو المستقبل، تحت حماية جيش وطني قوي وحكم ديمقراطي رشيد، ورفع مستوى شعبه اقتصاديا، اجتماعيا، سياسيا، وثقافيا، كما قررت بعض أهم أهداف ثورته السبتمبرية.

في الواقع، بدى وكأن عجلة التاريخ، اليوم، تعود إلى الوراء، محاولة إعادة ثورة 26 سبتمبر إلى نقطة البداية..!! وبدلا من فتح أفاق جديدة نحو المستقبل المنشود، عاد اليمنيون إلى مرحلة جديدة من النضال يصارعون على استعادة الجمهورية والثورة من أنياب الإمامة.

 قبل عامين فقط من الأن، وتحديدا في 21 سبتمبر، قادت مليشيات الحوثي، ذات الجذور الامامية، وبالتحالف مع بقايا نظام المخلوع صالح انقلابا على ثورة اليمنيين، فيما كشفت ممارساتها اللاحقة سعيها الحثيث لإعادة نظام الإمامة، وإن دثرت ذلك بمصطلحات ومسميات أخرى جديدة.

هكذا يبدو اليمن اليوم، بعد أكثر من نصف قرن على ثورته الجمهورية ضد الإمامة الرجعية والظلم والتخلف. فهل يمكن القول أن ثورته فشلت في تحقيق أهدافها؟ وكيف حدث ذلك؟ وماهي الأسباب والعوامل؟ ومن هي الأطراف التي تتحمل المسئولية؟

في هذا التقرير الخاص، يحاول "يمن شباب نت" البحث عن إجاباتها لدى بعض الباحثين السياسيين والإعلاميين اليمنيين.

 فشل أم تراجع وإخفاقات 

 بداية، يرفض الباحث والكاتب السياسي غائب حواس، الجزم أن ثورة 26 سبتمبر فشلت، بل على العكس، يؤكد أنها "نجحت في مهمتها الجسيمة المتمثلة بإسقاط حكم السلالة العنصرية اللاهوتي، نظاماً ومنهجاً، بعد 1100 عام ظلت فيها السلالة تجثم فوق صدر اليمن أرضاً وإنساناً".

ويضيف حواس في حديثه لـ"يمن شباب نت": "وإلى هنا، كانت الثورة قد أدّت مهمتها وكان الثوار قد أدوا واجبهم وأسسوا أول نظام جمهوري في تاريخ اليمن". لذلك، وبدلا من الحديث عن فشل الثورة، يفضل التحدث عن "تقصير" مع الثورة، يحمل أسبابه النخب: "وإذا كان هناك من تقصير فنتحمل نحن مسئوليته لأنّه ليس من حقنا أن ننام عن خطر الإمامة، بل وندخل معها في مشاريع شراكة ثم نعاتب شهداء سبتمبر لماذا لا ينتفضون من جديد ويموتون نيابة عنّا مرّة أخرى".

وعلى نفس النسق، يفضل الباحث والإعلامي نبيل البكيري، استخدام مصطلح "تراجع" وأحيانا "إنتكاسة" الثورة وليس "فشلها". كما أنه أيضا، يحمل النخب أسباب هذا التراجع. حيث أعتبر البكيري، في حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن أحد الأسباب التي أدت إلى "تراجع" ثورة 26 سبتمبر، يأتي كنتيجة لـ"فشل النخب والاحزاب السياسية جميعها في حماية هذه الاهداف الثورية والنضال من أجل تحقيقها، ما تسبب في عودة الإماميَن، مستغلين المشهد الهش للجمهورية ولثورة 26 سبتمبر".

الباحث والإعلامي ثابت الأحمدي، هو الأخر، يتحدث عن نجاحات تخللتها بعض الإخفاقات، منوها ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت" إلى أن "الأحداث المركبة يصعب تناولها من زاوية واحدة، كما هو الشأن في محاولات تحديدنا لنجاحات وإخفاقات حدث عظيم بحجم ثورة 26 سبتمبر.."

الأسباب.. والبداية من المصالحة "الزائفة"

ومع ذلك، إلا أن الجميع، حواس والبكيري والأحمدي، يتفقون على أن ثمة مجموعة عوامل أدت إلى حدوث هذا التراجع للثورة وأهدافها، بعد كل هذه المدة على قيامها.

وإجمالا، يرى الباحث حواس أن ثمة "عدّة عوامل متظافرة لعبت أدواراً، وظيفيّا وتكامليا، أدّتْ إلى تراجع الثورة السبتمبرية عن الحضور في حياة اليمنين وتسجيل غياب شبه كامل في الفعل السياسي كما في القرار السيادي وحتى على مستوى حضورها كروح وثقافة ومنطلقات".

 أما تفصيلا، يرجع البداية إلى ما حدث من أخطاء ومؤامرات متتالية بعد سنوات قليلة فقط على قيام الثورة، موضحا أن "الرعيل الاول من الثوار، الذين كانوا يستوعبون طبيعة المعركة مع السلالة العنصرية، تم التخلّص منهم ابتداء من 7 نوفمبر 1967م، حيث تعرضت الثورة لأولى الصدمات، وتخلصت القوى المتآمرة من الآباء المؤسسين للثورة، فيما كانت نفس الأيادي قد قامت بتصفية رموز آخرين، لم تكن عملية اغتيال الزبيري إلا إحداها وإن كانت أكثرها وجعاً وخسارة وفاجعة".

 وعلى هذا المنوال، يعتقد حواس: أن "مؤامرة المصالحة التي فرضت إعادة فلول الإمامة واقتسام الدولة بين الجمهوريين وبين الإماميين، وإخراج الثورة وقادتها من القرار والحكم ومن ثم من المستقبل، هو ما أفضى إلى إعادة تدوير الإماميين، وتسيير آلة الجمهورية بآلية الإمامة". ويضيف: "لقد عاد السلاليون واندسوا تحت ألوية تيارات اليمين واليسار، مع احتفاظهم بدرجات متفاوتة من مستويات الحس العنصري بالانتماء إلى شجرة السلالة".

 ويتفق الباحث نبيل البكيري، مع ما ذهب إليه زميله حواس فيما يتعلق بـ"عدم الحسم النهائي للمعركة اليمنية التاريخية مع الامامة". وبدلا عن ذلك، يضيف لـ"يمن شباب نت": "قبل الثوار، رغم انتصارهم، الجلوس مع بقايا النظام الامامي البائد تحت مسمى المصالحة الوطنية التي تمت بعد حرب ضروس استمرت لسبع سنوات كانت معاركها تصب لصالح الثوار".

واستدرك، معربا عن خيبة أمله: "للأسف قبلوا بمصالحة مزيفة مع الامامية التي عادت للحكم الامامي تحت العلم وطير اليمن الجمهوري، وظلوا بعد ذلك كقوة إعاقة فاعلة لأهداف الثورة والجمهورية".

ولا يختلف، رأي الباحث ثابت الأحمدي، عن زميليه في هذا الجانب، من حيث تأكيده على أن أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى الإخفاق في تحقيق أهداف الثورة، يتمثل "في الثورة المضادة، التي أعقبت هذا اليوم العظيم، من قبل الملكيين أنفسهم، والتي ظلت حربها لمدة ثماني سنوات متواصلة".

أما العامل الأخر، في نظره، فيتجسد بـ"الخلاف الذي نشب داخل الصف الجمهوري نفسه"، وإن كان يعتقد أن هذا العامل "لم يكن له تأثيرا كبير".

غياب حراس الذاكرة السبتمبرية

غائب حواس، وهو أحد الباحثين اليمنيين المتعمقين في الحركة الحوثية، وما أصبح يتعارف عليها مؤخرا بـ"الهاشمية السياسية"، يواصل حديثه لـ"يمن شباب نت"، عن الأسباب والأخطاء التي وقع فيها الثوار خلال الفترة التي أعقبت ثورة سبتمبر، ومنها: "غياب حراس الذاكرة السبتمبرية، وإسناد هذه المهمة أحيانا لعناصر الإمامة أنفسهم، ما أتاح لهم فرصة العمل على تفريغ ذاكرة الثورة، وتهيئة ذاكرة الإمامة للتعبئة"، مستدركا: "لذلك ـ و في السنوات الأخيرة بالذات ـ كنا نلاحظ أن الإمامة تستعيد ذاكرتها في حين تفقد الجمهورية ذاكرتها بالتدريج".

ويتجاوز حواس فكرة "فشل النخب والاحزاب السياسية جميعها في حماية أهداف ثورة سبتمبر"، التي أشار إليها زميله البكيري في الجزء الأول، أعلاه، إلى إضافة عامل أخر يتعلق بـ"قدرة عناصر ولوبيات السلالة على التكيف مع الوضع القائم لإدارة الصراع من داخل مواقعهم في الأجنحة والقوى السياسية، واستخدام النخب في مخادعة الجماهير، وركوب موجات التغيير والصراعات، حيث استطاعوا مخادعة وتوظيف قضايا وفعاليات كبرى" لمصلحتهم.

ويستند في تعزيز ما ذهب إليه هنا إلى بعض الوقائع التاريخية القريبة، مشيرا: "فكما ركبوا موجة التعددية في العام 90م، فعلوا كذلك في 2011م، ثم في مؤتمر الحوار، وما يسمى بالقضية الجنوبية، وهاهم اليوم يدعون تمثيل اليمن ويشطبون على اليمنيين ويدشنون تخوينهم وتجريمهم وقتلهم وفق خطة مدروسة ومنهجية ومنظمة".

استكمال دائرة الانقلاب على الثورة

معظم ما تطرقنا إليه سابقا، كان يقتصر أكثر على بعض العوامل والأسباب، وبضمنها الأخطاء، الرئيسية التي تخللت فترة الربع قرن ونيف الأولى لقيام الثورة، فما الذي حدث بعدها، خلال النصف قرن التالي من عمر الجمهورية؟ والتي امتازت بدخول التعددية السياسية إلى المشهد السياسي اليمني، كأحد ثمار (اشتراطات) الوحدة اليمنية بين شطري اليمن في مايو 1990. وكليهما: التعددية السياسية والوحدة اليمنية، تضمنهما الهدفان الرابع والخامس، على التوالي، من أهداف ثورة سبتمبر 1962.    

ويرى حواس، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن التعددية السياسية التي جاءت مع الوحدة في 1990 "أعطت صراع أجنحة جمهوريي الدرجة الخامسة طابع الممارسة الديمقراطية"، مضيفا: "وإذا علمنا أن الصراع الجوهري هو بين الشعب وبين السلالة، فإننا رأينا أن التعددية استخدمت لصالح السلاليين، حيث كان تعدد ورثاء الجمهورية تعدد انقسام، أما تعدد أبنا السلالة فكان مجرد تعدد ادوار لا أكثر".

 وإلى جانب ذلك، يشير إلى وجود دور لما سماها بـ"الثقافات المستقدمة"، التي "جلبتها التيارات اليسارية والإسلامية، وأسهمت في تراجع سبتمبر". حيث يعتقد أن هذه الثقافات "أزاحت ثقافة سبتمبر وروحه الأصيلة من ذاكرة الجيل، فشكلت تلك الثقافات والشعارات بديلاً لثقافة الثورة التعبوية ضد الإمامة، وهي لا تملك الجواب الذي تمتلكه ثقافة سبتمبر على سؤال الإمامة الشائك والمسموم، وبالتالي هيأت الوعي الشعبي لتقبل فكرة عودة (السيد) إلى الحياة السياسية من خلال التطبيع والشراكة مع وجوه ومفاهيم وفعاليات ومشاريع فلول الإمامة والعنصرية".

 الباحث نبيل البكيري، يضيف إلى تلك الدائرة ما قال إنها "قوى محسوبة على الثورة والجمهورية، كانت بمثابة قوى ممانعة لقيام دولة حقيقية، وظلت هذه القوى تقدم مصالحها على المصالح الوطنية العامة، وحولت الدولة لمجرد وسيلة لتحقيق أهدافها ومصالحها الخاصة بها".

ويستكمل الباحث ثابت الأحمدي تلك الدائرة، من خلال اعتباره أن السب الأبرز، من وجهة نظره، ربما "يكمن في أن القيادة الوطنية، وخاصة الرئيس علي عبدالله صالح، الذي حكم 33 سنة، لم يكن لديه مشروع للحكم..بقدر ما سعى لبناء مشروعه الخاص خلال فترة حكمه، وانتهى بصورة مزرية، كما قاد الشعب إلى المجهول". بحسب توصف لـ"يمن شباب نت".

حقيقة صادمة 

من خلال، ماسبق، يمكن التأكيد على أن الجميع اتفقوا حول وجود ثغرات (أخطاء) شكلت عوامل وأسباب أدت إلى تراجع أهداف الثورة، وصولا إلى تسهيل محاولة الانقلاب الأخير عليها، وعودة أنصار ومؤيدي الإمامة إلى الواجهة، بعد أكثر من نصف قرن على قيام الثورة ضدها. لكن ذلك لم يعني لأحد منهم، بشكل أو بأخر، أن الثورة قد تكون "فشلت"، بل يمكن الحديث (الاعتراف) فقط، بحدوث "تراجع" أو "انتكاسة" أو "إخفاق"، ذلك أن أكثر – وربما أخطر - ما ترتب عليه هذا الاخفاق هو عودة الصراع المسلح مجددا مع ميليشيات انقلبت على سلطة شرعية، أصبح من اللازم، اليوم، ملاحظة أنها الامتداد الوحيد لمسار ثورة سبتمبر في هذه اللحظة الفاصلة من حياة اليمن.

وينظر إلى كل هذا الاحتفاء اللافت – أكثر من أي وقت مضى - بالذكرى الـ54 لهذه الثورة، على أنه استفتاء علني على رفض عودة الحكم الإمامي البائد، الأمر الذي يعني ضمنا: رفض بقاء واستمرار الانقلابيين في السلطة، مهما كان الثمن.

 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر