هل ينجح الانقلابيون بمنع "ثورة" شعبية على وشك الانفجار؟ ما الذي يحدث في العاصمة؟


أثَرَ توقف صرف الرواتب الحكومية على حياة معظم المواطنين بشكل كبير جدا، خصوصا وأنه يمثل مصدر دخل وحيد لشريحة كبيرة من المجتمع اليمني. الأمر الذي أنذر بـ"ثورة جياع" قادمة، حيث لم يعد معظم الناس يطيقون مواصلة الصبر والصمت أكثر، بينما يرون أنفسهم وأسرهم وأطفالهم على وشك الموت من الجوع.

واستخدمت ميليشيات الحوثي-صالح الانقلابية، وما زالت، كافة الوسائل لقمع تلك الدعوات، التي بدأت تتخلق مؤخرا، لثورة قادمة لـ"الجياع"، بعد أن تواصل توقف صرف الرواتب الحكومية لشهرين متتالين، بالنسبة لمعظم الموظفين، بينما يتحدث البعض عن ثلاثة أشهر لم يستلموا فيها رواتبهم.

 

أقرأ أيضا:

تزايد السخط الشعبي لتوقف صرف المرتبات.. بماذا طالب موظفو السلطة القضائية؟ وما هو رد مجلس القضاء؟ (وثيقة)

 

ومع أن الميليشيات الانقلابية لم تألوا جهدا في استخدام كافة وسائل القمع والترهيب لإيقاف موجة الغضب الشعبية العارمة التي تنصب ضدها، كونها من دمرت الوطن وعبثت بأموال البنك المركزي وأفرغت خزينة الدولة في دعم مجهودها الحربي، إلا أن الغضب الشعبي ما زال يتصاعد بقوة، وعلى وشك الانفجار في أي لحظة.

ومؤخرا، ضاعفت ميليشيات الإنقلاب من جهودها القمعية، وتوسعت حملات القمع والترهيب لتطال هذه المرة "ملاك مقاهي الأنترنت" بصنعاء. حيث شهدت العاصمة خلال الأيام الأخيرة حملة اعتقالات واسعة ومنظمة استهدفت عددا كبيرا من ملاك المقاهي، وألزمتهم بدفع مبالغ شهرية والالتزام بالإبلاغ عن أي شخص من رواد المقاهي يدعو ويحرض المواطنين للخروج في تظاهرات ضد الميليشيات على خلفية توقف صرف المرتبات.  

 

أقرأ أيضا:

الحوثيون لأطباء مستشفى الثورة بصنعاء: عملكم إنساني ومن يتظاهر نعتقله

 

محاولة قمع "ثورة الإنترنت"

توقف صرف الراتب دفع ناشطون اعلاميون وموظفون ومواطنون متضررون، إلى إطلاق نداءات تدعوا الجميع إلى النزول للشارع للمطالبة بصرف رواتبهم المتوقفة، بعد ما ضاق بهم الخناق نتيجة فقدان مصدر دخلهم الوحيد على مدى شهرين، (بعضهم لثلاثة أشهر)، متواصلة.          

تلك الدعوات أشعرت المليشيات الانقلابية بالخطر، وانذرت باقتراب نهاية سيطرتهم وزوال حكمهم الجبري على العاصمة ومحافظات شمال اليمن الأخرى، ما دفعهم الى اتخاذ عدة إجراءات، بدأتها بإضعاف – وأحيانا حجب - تصفح بعض مواقع التواصل الاجتماعي المؤثرة، مثل الـ"واتس آب"، والـ"فيسبوك" أحيانا.

وقد لاحظ جميع المتصفحون، من داخل اليمن، لبرنامج الـ"واتس آب"، بشكل خاص، صعوبة كبيرة في دخوله واستخدامه طوال الأسابيع الثلاثة الماضية تقريبا. في الوقت الذي عمدت فيه إلى قطع شبكة الإنترنت لساعات طويلة يوميا، ونجحت في إضعافها بشكل عام، حيث يجد المواطن اليمني في الداخل صعوبة كبيرة في تصفح الانترنت، مهما كانت سرعة الأنترنت التي يستخدمها.

مخاوف أكثر..إجراءات احترازية أوسع 

ولم تكتفي الميليشيات بذلك، بل دشنت – بالتزامن معها - حملة اعتقالات واسعة في صفوف الناشطين والمواطنين البسطاء حتى، لاسيما في العاصمة صنعاء، طالت كل من يدعو إلى النزول الى الشارع للمطالبة بصرف الرواتب.

وكإجراءات احترازية استباقية لـ"ثورة الجياع"، وسعت الميليشيات الانقلابية من نطاق حملة الاعتقالات وانتهاكاتها بحق المواطنين، لتطال حتى مجموعة من أصحاب المحلات التجارية واستديوهات التصوير، وغيرها، بحجة مشاركتهم في دعم الناشطين، الذين تنادوا من مختلف الشرائح الاجتماعية والقوى الحزبية، إلى تنظيم حملة نزول الى الشارع في فعالية للغضب الشعبي ضد الميليشيات الانقلابية.

 

أقرأ أيضا:

البيضاء: الحوثيون يختطفون زعيم قبلي مقرب صالح على خلفية انتقاداته للجماعة

 

ومع أنها كانت قد شرعت مسبقا في حجب مواقع مؤثرة ضمن منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة، وأضعفت شبكة الأنترنت إلى حد كبير، حتى أنها لا تكاد تعمل غالبا لساعات طويلة يوميا، إلا أن الميليشيات الانقلابية - وبفعل القلق الكبير الذي ساورها نتيجة خوفها من نتائج وتداعيات تلك الدعوات – ذهبت أكثر لتوسيع حملتها لتطال حتى ملاك مقاهي أنترنت في العاصمة صنعاء.

وتفيد المعلومات التي حصل عليها "يمن شباب نت"، أن الميليشيات الانقلابية أقدمت مؤخرا، على تنظيم حملة اعتقالات واسعة طالت ملاك مقاهي الانترنت، نفذتها على عدة أيام خلال الفترة القليلة الماضية، متنقلة من منطقة إلى أخرى في العاصمة. حيث كانت تخصص يوما لتنفيذ حملة اعتقال لمجموعة منهم ضمن إطار منطقة معينة في العاصمة، وتنتهي منهم لتنتقل بعدها إلى منطقة أخرى..وهكذا.

وكشفت المعلومات أيضا، أن الميليشيات الانقلابية لم تقتصر في حملاتها تلك على توخي المزيد من الحرص في إحباط وكبح النشاطات الألكترونية من خلال إلزام ملاك المقاهي بالإبلاغ عن النشطاء الذين يستخدمون المقاهي للدعوة إلى النزول الميداني، فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى ابتزاز ملاك المقاهي بفرض أموال شهرية عليهم، ضمن حملة منظمة طالت حتى الأن معظم مناطق العاصمة صنعاء.

مالك مقهى: هذا ما حدث لنا..

أحد ملاك مقاهي الانترنت في صنعاء، أعتقل أواخر الأسبوع الماضي من أحد المناطق الواقعة غرب العاصمة صنعاء، تحدث لـ"يمن شباب نت"، عن ظروف اعتقاله بدون أي تهمة قانونية، واقتياده ووضعه - هو وآخرين لا يقل عددهم عن 15 من مالكي المقاهي ضمن إطار منطقته - في احد المعتقلات التابعة للميليشيات في صنعاء.

يقول، في حديثه مع "يمن شباب نت"، وقد فضل الاحتفاظ بهويته سرية خشية اعتقاله مرة أخرى: "تم توزيعنا على زنازين مختلفة في أحد المعتقلات، وبالنسبة لي وضعوني مع أخرين في حمام متسخ، وتم الاعتداء على بعضنا بالضرب وقذفنا بعبارات نابية واتهامنا بالتعاون مع ناشطي الدواعش، حد قولهم"

ويضيف: "بعد مضي 24 ساعة تقريبا على اعتقالنا، احضروا كشوفات كاملة بأسماء أصحاب مقاهي الانترنت في المنطقة ذاتها، وأخبرونا أن من يريد الخروج من السجن عليه دفع مبلغ 20,000 ريال (عشرون ألف ريال)، وإحضار ضمانات والتوقيع على أوراق تلزمنا بدفع المبلغ شهريا"

ويؤكد: "ألزمونا أيضا بالتعاون معهم في الإبلاغ عن أي شخص من رواد المقهى ممن يستخدم أجهزة المقهى في الدعوة للتظاهر والنزول للشارع"..!!

وأوضح أنه أطلق سراحه منتصف تلك الليلة نفسها مع أخرين من زملائه، وليس جميعهم، وإنما فقط من دفع المبلغ المفروض عليه وأحضر الضمانات ووقع على الالتزام بدفع المبلغ شهريا والالتزام بالإبلاغ عن كل من يدعو إلى التظاهر والنزول للشارع من داخل المقهى. لكنه يتوقع أن يكون البقية قد دفعوا والتزموا لاحقا وأطلق سراحهم أيضا، حيث "سيتم إكراههم على ذلك بالقوة كما تم إكراهنا"، يضيف مالك المقهى الذي تحدث معنا عن تفاصيل ظروف اعتقاله.

وأكدت مصادر أخرى، تواصل معها "يمن شباب نت"، أن الميليشيات واصلت حملتها تلك ضد ملاك مقاهي الانترنت في مناطق أخرى في العاصمة صنعاء، بينها شارع هائل، والدائري.

بوادر "انفجار" بدأ يتسرب

وعلى الرغم من كل تلك الإجراءات التضييقية والترهيبية، وغيرها الكثير مما لم نذكره هنا، إلا أن الدعوات للتظاهر لاقت رواجا كبيرا، فيما اكتظت منصات التواصل الاجتماعي على شبكات الانترنت بالغضب والنقد، لا سيما في صفوف المواطنين وموظفي الدولة، خصوصا وأن معظمهم يعتمدون بشكل رئيسي على الراتب الحكومي لتغطية نفقات حياتهم وأسرهم.   

وكانت ثمة تفاعلات كثيرة، قوية ولافتة، بينها حالة الرائد مقبل الكوماني، وهو طيار في القوات الجوية اليمنية، ضمن منشور له كتبه مؤخرا على صفحته بالـ"فيسبوك".

وكتب الكوماني في منشوره: "صبرنا بما فيه الكفاية على عدم صرف رواتبنا.. صبرنا وتبهذلنا بما فيه الكفاية..صبرنا حتى امتلأت الشوارع بالأسر الكريمة التي نزلت تتسول بحثا عن لقمة العيش"..!!

وأردف، موجها كلامه إلى سلطات الانقلاب في صنعاء: "سأمهلكم هذا الأسبوع الجاري كفرصة أخيرة لتسليم راتبي، مالم ورب الكعبة أنني سآخذ خيمتي وارتدي بزتي العسكرية، التي لا أعلم هل سأرتديها مرة أخرى أم لا،  نعم سأحمل خيمتي وأخرج للبحث عن راتبي، ولن أعود إلا براتبي أو اهلك دونه، ولا يهمني ما سأواجه رغم اني سأخرج بخيمتي وبزتي العسكرية فقط لن احمل حتى سكينا".

 

أقرأ أيضا:

انقطاع “الرواتب” يجبر الموظفين في صنعاء على النزوح للأرياف (تقرير خاص)

 

وأختتم الرائد طيار الكوماني، متمثلا ما آل إليه حال الجميع تقريبا، بالقول: "اعملوا ما شئتم حينها، اعتقلوني، اسجنوني، عذبوني، وإن شئتم حتى فاقتلوني، فو الله انه أهون مما اوصلتمونا إليه من ذل وهوان وصرنا نموت في اليوم أكثر من مرة من هول ما نشاهده من معاناة الشعب المغلوب على أمره".

 وقد تُنبئ هذه الحالة الشجاعة والصادقة، وغيرها الكثير مما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، خلال الأيام الأخيرة، أن ثمة غضبا عارما يتراكم بقوة، وقد بدأ يظهر للعلن بشجاعة دون خوف أو خشية من تهديدات وإجراءات الميليشيات الانقلابية.

 

أقرأ أيضا:

نقابة تدريس جامعة صنعاء تناقش تأخر الرواتب وتؤكد الدفاع عن منتسبيها

 

وفي حين تكشف تلك الإجراءات نفسها، قلقا وتخبطا كبيرا في قيادات وصفوف المليشيا الانقلابية، فإن المزيد من تضييق الخناق عبر المزيد من التهديد واعتقال المعارضين والمناوئين وتوسيع الانتهاكات لتطال الموظف والمواطن البسيط، من شأنه أن يرفع بالتأكيد من منسوب الاحتقان في الشارع، الذي ينتهي دائما بانفجار كبير، بدأت بوادره تتخلق من خلال الدعوة إلى القيام بـ"ثورة للجياع".

 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر