عن الزعامة


صلاح النهمي

أشياء تخضع لسياقها التاريخي أو ما يسمى السيرورة التاريخية كالأفكار، جمال عبد الناصر زعيم وفق سياق و ظروف عصره، من وجهة نظري المتجردة، لكن مع التطور كتحمية إنسانية، تدخل شروط و معايير جديدة للزعامة، ومحاولة نسخ زعامة الخمسينات والستينات للوقت الحاضر غير مجدية وسلبية.
 
و في نفس الوقت، غير موضوعي محاكمته وفق معايير اليوم وقد أصبحت الديمقراطية هي الأساس كمعيار مع تطور الوعي و مع حتمية و ضرورة الحاجة للانتقال إلى دولة الديمقراطية و المواطنة المتساوية.
 
في القرن الماضي سنقول أن مهمة الزعامة كانت في بناء الدولة الوطنية، وربما كان متفهماً الاستبداد الذي مارسته السلطة بعذر ترسيخ دعائم الدولة الجديدة، التي تحاول التخلص من إرث الاستعمار الثقيل وما سببه من تمزيق للنسيج الاجتماعي.
 
الأمر ينطبق مثلاً، على تجربة الحزب الاشتراكي اليمني في جنوب اليمن، التي تركها الاستعمار ممزقة إلى عشرين سلطنة (إمارة)، وكانت المهمة الأولى أن توحد السلاطن تحت هوية وطنية واحدة، الهوية اليمنية، وقد نجح الحزب في ذلك، بغض النظر عن كونه نظام حزب واحد.
 
لكن اليوم لم يعد الاستبداد مقبولاً و الحاجة تصاعدت و الشعوب تريد المزيد، لا يمكن الاستمرار في قبول الاستبداد و القمع بعذر مواجهة المؤامرات الخارجية، الاستعمار ذهب و الهوية الوطنية التي تم إعادة تلحيمها بفعل روح الثورة العالية معرضة للانتكاسة إن لم يتوقف الاستبداد و ننتقل إلى الدولة الوطنية الديمقراطية.
 
كانت الثورات العربية الكبرى في القرن الماضي مهمة و ناجحة إلى حدٍ كبير. تعرضت لبعض الانتكاسات نعم، لكنها كانت ضرورة لبناء دولة بهوية وطنية، غير أن استمرار الاستبداد بعد التخلص من الاستعمار وآثاره و بسط سيادة الدولة الجديدة وعدم الانتقال إلى الديمقراطية قتل الروح في الشعوب و بعث على التذمر و القهر.
 
من هنا يمكن مثلا، أن نفرق بين جمال عبد الناصر و صدام حسين. فالأول -الذي أعاد إلى مصر هويتها و تماسكها- أتى من الثورة و حكم في مرحلة يمكن اعتبارها صعبة و إن كان يجب أن يليها الانتقال للديمقراطية، بينما الثاني أتى بانقلاب و مارس الاستبداد -فقط- في سبيل تدعيم حكمه و كان سبباً فيما شهدته الهوية الوطنية العراقية من تمزق.
 
طبعاً، لن نكون مثاليين و نقول أن الزعماء الذين تولوا الحكم بعد الثورات العربية مباشرة كان يفترض أن يعملوا على إرساء قواعد الديمقراطية و التعددية الحزبية و دولة المؤسسات، ثم يسلموا الحكم وفق ذلك، كما فعل جورج واشنطن قائد حرب التحرير الأمريكية و أول رئيس للولايات المتحدة، حين رفض تولي الرئاسة لولاية أخرى، و جعل من نفسه قدوة بأن تكون الرئاسة ولايتين -فقط- إلى اليوم، أو كغيره من زعماء العالم الذي أسسوا دول ديمقراطية و ذهبوا، فكانوا زعماء في الأمس و اليوم.
 
نقول -فقط- أن شروط الزعامة العربية اليوم ينبغي أن تختلف عن شروطها في الأمس، أي أن تتحسن معاييرنا و شروطنا و مفاهيمنا للزعامة.
 
*من صفحة الكاتب على فيسبوك

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر