أثارت الدعوة إلى فتح باب التجنيد، التي أطلقها زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، عبر خطاب متلفز، في منتصف سبتمبر/أيلول الجاري 2017، الكثير من التساؤلات حول دوافع هذه الدعوة، ومراميها، والتداعيات المحتملة على ميزان قوة حليفه، حزب المؤتمر الشعبي العام، لا سيما أن الموافقة على ذلك، يعني فتح باب الالتحاق رسميا في المحافظات التي يسيطرون عليها، وبنظر وزارة الدفاع الخاضعة لهم، بما يتراوح بين 2000- 3000 مجند لكل محافظة، ولعل المحصلة النهائية ستكون مثيرة للجدل!
 
الملاحظ أن مسألة التجنيد أصبحت هاجسا مشتركا بين الحوثيين وحليفهم حزب المؤتمر، تزايد معه السباق المحموم بينهما، لتكوين ميليشيات خاصة لكل منهم، وزرع عناصر موالية داخل الجيش السابق، الذي تماهى الجزء الأكبر منه مع سلطة الانقلاب، منذ اجتياح الحوثيين صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وتوزع الجزء الآخر بين السلطة الشرعية وبين عدم الالتحاق بأي طرف.
 
التجنيد الإلزامي التجنيد التطوعي
 
وردت خدمة الدفاع الوطني(التجنيد الإلزامي) في الدستور اليمني الصادر عام 1991، والمعدل عام 2001، على نحو مقتضب ضمن المادة(60)، بالقول: "وخدمة الدفاع الوطني ينظمها القانون". وفعلا؛ فقد نظمت بالقانون رقم(22) لسنة 1990م، المعدل بالقانون رقم(34) لسنة 1998م، الذي حددت المادة(1) منه، مسألة البدل النقدي الواجب دفعه من قبل المكلَّفين بالخدمة الإلزامية، مقابل حصولهم على الإعفاء منها.
 
والتجنيد الإلزامي يختلف عن التجنيد التطوعي؛ لأن الأول يعني الالتحاق القسري بالقوات المسلحة والأمن، كخدمة وطنية إلزامية لمن أتم الثامنة عشرة من عمره، ولم تشمله الاستثناءات المنصوص عليها في قانون خدمة الدفاع الوطني الإلزامية.
وعادة ما يكون الملتحق بخدمة الدفاع الوطني ملزم بفترة زمنية لا تزيد عن عامين، ويتقاضى فيها راتبا أقل مما يتقاضاه مجندو الخدمة التطوعية، كما يمكنه البقاء كمتطوع وفقا للاحتياج.
 
أما التجنيد التطوعي فينظمه القانون رقم(67) لسنة 1991، وباب الالتحاق فيه مفتوح، ولكن بحسب الاحتياج، لكنه لم يشهد غلقاً منذ اجتياح الحوثيين لصنعاء، في سبتمبر/أيلول 2014؛ حيث أدمجوا الآلاف من مقاتليهم والمنقطعين السابقين في صفوف الجيش والشرطة، منذ وقوع الانقلاب وحتى قيام المجلس السياسي الأعلى، في يوليو/تموز 2016، الذي جسّد تحالفهم الفعلي مع حزب المؤتمر الشعبي.
 
ما يجدر الإشارة إليه- هنا- أن التعديل في القانون رقم(22) لسنة 1990م، فتح الباب واسعا أمام فساد مالي جديد، إضافة إلى فوضى الفساد السائدة في الجهات المعنية باستيعاب المكلفين بأداء الخدمة، أو الجهات المعنية بمنح وثيقة الإعفاء والتأجيل في وزارة الدفاع، أو الجهات المدنية المعنية بإصدار الأحكام القضائية والوثائق الأولية اللازمة للحصول على الإعفاء أو التأجيل من الخدمة؛ حيث حوّل هذا التعديل خدمة الدفاع الوطني الإلزامية إلى سلعة رخيصة للميسورين من المكلفين بالخدمة داخل البلاد أو في الدول، التي يوجد بها تمثيل دبلوماسي لليمن.
 
مع تصاعد حالة السخط الشعبي تجاه الفساد، الذي اكتنف مجال التجنيد الإلزامي، كان ذلك كافيا لأن يقوم مجلس الدفاع الوطني في مايو/آيار 2001 بتجميد العمل بقانون خدمة الدفاع الوطني الإلزامية، وليس الإلغاء؛ لأن الإلغاء مسألة دستورية خاضعة للاستفتاء الشعبي، وليس لمجلس الدفاع الوطني.
 
كما يضاف إلى الفساد أسباب أخرى تتعلق بترسيم الحدود مع دول الجوار، مثل: تنفيد المرحلة الأولى من ترسيم الحدود مع سلطنة عمان عام 1992، والتوقيع على اتفاقية الحدود مع المملكة السعودية في يونيو/حزيران 2000، وحل النزاع على الحدود البحرية مع أرتيريا عام 1998، فضلا عن الاتجاه الذي سلكته بعض الدول العربية تجاه خدمة الدفاع الوطني الإلزامية، سواء بالإلغاء أو الإيقاف المؤقت.
 
الخلاف بين الحوثيين والمؤتمر
 
يمثل التجنيد التطوعي، إحدى القضايا الخلافية بين تحالف الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي؛ حيث يقوم الحوثيون- دون مراعاة حليفهم- وخارج خطط وزارة الدفاع الخاضعة لهم أصلا، بضم مجندين جدد من الموالين لهم في صفوف القوات المسلحة وفي ما يسمى "اللجان الشعبية" الحوثية. وعادة ما يواجه ذلك إجراءات معقدة، وبطء في التنفيذ؛ نظرا لعدم وجود تعزيز مالي لتغطية أعباء مرتبات هؤلاء المجندين، وهو ما أكدت عليه المقابلات والخطابات المتلفزة لقادة الحوثيين، الذين اعترفوا بمواصلة رفد الجبهات بالمقاتلين، أو بدعوتهم للاستمرار في ذلك، كما جاء في خطاب متلفز لزعيم الحوثيين، في أغسطس/آب 2017، ولقاء متلفز مع رئيس ما يسمى "اللجنة الثورية" في الشهر ذاته.
 
صالح نفسه، يثير- على نحو متكرر- مسألة رفد الجبهات بأفراد الجيش، ممن لزموا بيوتهم بعد انقلاب سبتمبر/أيلول 2014، وما تلتها من أحداث أخرى. وبالمثل عبر عن ذلك أمين حزب المؤتمر، عارف الزوكا، وبلهجة رافضة وسط جمع من قياديي حزبه، قبيل الاحتفال بذكرى مرور 35 عاما على تأسيس الحزب، الذي صادف 24 أغسطس/آب المنصرم، داعيا إلى استدعاء من لزموا بيوتهم بدلا عن التجنيد من جديد.
 
وقد جاء ذلك- كما يبدو- ردة فعل لما يدور من نقاش داخل المجلس السياسي، حول التجنيد التطوعي والتجنيد الإلزامي، اللذين يتحفظ عليهما حزب المؤتمر؛ لأسباب تمس نفوذه داخل الجيش الخاضع لقيادة الحوثيين، وتنامي قوة اللجان الشعبية الحوثية، لكنه برر الرفض بعدم القدرة على مواجهة مرتبات المجندين الجدد، في ظل العجز عن الانتظام في دفع مرتبات من سبقوهم منذ أكثر من عام، ووجود بديل متاح، ممثلا بالجنود اللذين يقبعون في بيوتهم.
 
في منتصف سبتمبر/أيلول الجاري 2017، دعا عبد الملك الحوثي- عبر خطاب متلفز- إلى التجنيد لرفد الجبهات؛ كاشفا عن أن هنالك ما يزيد عن 40 جبهة في حاجة ماسة للمقاتلين، ومطالبا-كذلك- استدعاء من لزموا بيوتهم، أو التجنيد بدلا عنهم، وذكّر بأن الانتكاسات الماضية، التي لحقت بمقاتليه في بعض الجبهات، كان سببها النقص الحاد في القوة البشرية، ولعل ما يعنيه، هو النقص في مسرح العمليات الغربي، الذي خسروا فيه الكثير من المناطق والمقاتلين، ابتداء من باب المندب جنوبا، حتى حدود مدينة الخوخة شمالا.
 
أما فتح باب التجنيد الإلزامي، فلم يثر أمره بشكل صريح، كما أن الحوثيين غير قادرين على اتخاذ أي إجراء بشأنه دون موافقة حزب المؤتمر، تنفيذا للاتفاق السياسي، الذي شكل بموجبه المجلس السياسي الأعلى؛ لأن فتح باب التجنيد الإلزامي يتطلب إعادة العمل بقانون خدمة الدفاع الوطني الإلزامية، وذلك لن يتم إلا بموافقة المجلس السياسي، فضلا عن موافقة مجلس النواب، الذي يتحكم فيه حزب المؤتمر.
 
الدوافع والغايات
 
ليس هناك من شك في أن دعوة الحوثيين للتجنيد التطوعي، تقف وراءها دوافع آنية، مثلما أنها تنطوي على غايات مستقبلية؛ فالحاجة إلى المقاتلين في الوضع الحالي واضحة وماسة، لا سيما بعد مقتل الكثير من مقاتليهم في مختلف الجبهات، التي من أبرزها جبهتي تعز والساحل الغربي، وكذا نفور الشباب عن الالتحاق بجبهات القتال، لجَسر الفجوة الناشئة عن ذلك، وعمن هربوا، بحسب اعتراف عبدالملك الحوثي نفسه، في خطاب له أواخر يناير/كانون الثاني 2017، الذي قال فيه إن بعض المقاتلين لم يمكث سوى ليلة واحدة، معللا ذلك بالوهن وضعف الإرادة، وعدم انتظام الإمدادات التموينية، لكن الحقيقة أن أغلب أولئك، كانوا من عديمي الخبرة، وصغار السن، وممن أخذوا دون إرادتهم وقناعتهم الخاصة، وهو ما اعترف به الكثير ممن وقعوا في أسر الجيش الوطني الموالي للسلطة الشرعية.
 
أمر آخر- وهو الأهم- أن الحوثيين لم يكتفوا بالتشكيلات الميليشاوية، التي كونوها خلال الثلاثة الأعوام السابقة، مثل: اللجان الشعبية، وكتائب الحسين، بل يحاولون رفد قوتهم بأقصى ما يمكن من المقاتلين لتكوين جيش موازي للجيش الرسمي الخاضع لقيادتهم، بما يمكنهم من ترجيح كفتهم في أي مواجهة مصيرية، سواء في ميدان الحرب القائمة، أو في حال نشوب صراع دامٍ بينهم وبين حليفهم صالح، حسب توقعهم، وقد دل على ذلك تصاعد حدة التوتر خلال شهري اغسطس/آب وسبتمبر/أيلول الجاري 2017، التي أفضت إلى مواجهات مسلحة قتل خلالها القيادة المؤتمري خالد الرضي، وجنديين من الطرف الآخر.
 
ما يعزز هذا الرأي، استعراض اللجان الشعبية ارتالا طويلة من مركبات آلية مسلحة رباعية الدفع، تجاوز عددها المائة آلية، وعلى ظهرها مقاتلون حوثيون؛ حيث جابت العديد من شوارع العاصمة صنعاء، في مشهد استفزازي لحليفهم، الذي فرغ لتوه من حشد جماهيري بميدان السبعين بصنعاء، في 24 أغسطس/آب الماضي، بمناسبة ذكرى تأسيسه.
 
جَسر فجوة القوة أم ترجيح كفّتها؟
 
رغم تحفظ صالح على مسألة التجنيد التطوعي، وعلاوة على ما لديه من مقاتلين في بعض الجبهات، إلا أنه- وتحت إشراف ابن أخيه العميد طارق- تمكن من حشد ما يقارب 3000 مقاتل، في معسكر تدريبي في مسقط رأسه بمنطقة سنحان، جنوبي العاصمة، أغلبهم مجندون جدد، والبقية من المنقطعين عن الخدمة في الجيش السابق، وقد أثار هذا الأمر قلقا لدى الحوثيين، فمارسوا ضغوطا قوية على المجلس السياسي، لاتخاذ قرار بضمهم إلى قيادة وزارة الدفاع بصنعاء، فاستجاب صالح لذلك، بطريقة ماكرة، واصطحب معه رئيس المجلس السياسي إلى المعسكر، في أواخر يوليو/تموز 2017، وطلب تسليح المقاتلين، وتزويدهم بالمستحقات الكاملة، ومن ثم الدفع بهم إلى الجبهات تحت قيادة وزارة الدفاع، كما جاء في خطاب صالح ذلك اليوم، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث حتى كتابة هذا المقال.
 
بعد أن تصاعد الشائعات حول نوايا حزب المؤتمر للانقلاب على الحوثيين، في أغسطس/آب الماضي، وبروز جماهيره كقوة، يمكن أن تستغل في هذا العمل، ومع ما وصفه أمين عام حزب المؤتمر، عارف الزوكا، بأن الثلاثة آلاف مقاتل يمثلون مقدمة لأربعين ألف مقاتل يتكفل حزب المؤتمر بحشدهم للجبهات، تعالت أصوات الحوثيين مرة أخرى، بشأن التجنيد التطوعي لرفد الجبهات، لكن حقيقة هذه الأصوات، إضافة إلى الدوافع المشار إليها سابقا، تأتي في إطار السباق على القوة، وتحاول فتح باب قانوني لجسر الفجوة فيها بموالين للحوثيين.
 
علاوة على الإعداد والتعبئة لمعركة متوقعة مع قوات الشرعية، في إطار الحرب القائمة وتحولاتها التي قد تطرأ، فإن مسألة التجنيد تكشف عن تنافس في ترجيح كفة ميزان القوة البشرية بين تحالف الحوثيين والمؤتمر، سواء كان ذلك في إطار الميليشيات المستقلة، أو في إطار وحدات الجيش الموالي لهم، أو- على الأقل- ضمان التوازن في القوة، بالنسبة للحوثيين، بما يمهد للتمكين المرحلي، فالسيطرة الكاملة مستقبلا، خاصة في المناطق الخاضعة لهم الآن.

* باحث يمني في الشئون الاستراتيجية 
حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت"   ©2017 
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر