لجنة تحقيق.. طيب فين السؤال؟


غمدان اليوسفي


حين حدثت مجزرة قاعة عزاء آل الرويشان في صنعاء ثارت ثائرة الناس في كل مكان، ولم يمض وقت حتى أعلنت قيادة التحالف مسؤوليتها عن تلك الجريمة التي هزت الرأي العام المحلي والعالمي، وبهذا يفترض أن حق الناس في الإنصاف تم حفظه لليوم أو غدا.
 
بعد أشهر قررت صحفية تعمل للبي بي سي أن تقوم برحلة طويلة المدى في اليمن، وزارت صالح وقيادات في مارب والسعودية وغيرها، لكنها في الحقيقة لم تجد سؤالا لتطرحه غير سؤال من الذي ارتكب مجزرة القاعة، وهو سؤال كان جوابه قد أعلن في وقت مبكر عقب الحادثة وتحمل مسؤوليته التحالف، فقط كانت تلك الحملة استجابة لرغبة غامضة في سياق توجه ال بي بي سي المعروف بعدائه لأي شيء مرتبط بالسعودية.

لم تخرج الصحفية بشيء سوى مجموعة من التقارير واللقاءات ماتت في ظرف ساعات.

مثل صحفية البي بي سي هناك مجموعة من المنظمات المرتبطة بلوبيات دولية تضع السعودية في خانة الاعتياش على عدائها، وهي اليوم تطارد الزمن للخروج بلجنة تحقيق دولية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، بينما لم يجدوا إجابة عن سؤال لماذا لجنة دولية؟؟

اعترفت قيادة التحالف العربي بمسؤوليتها عن عدد من الجرائم والانتهاكات وأوضحت ملابسات الحادث، وهذا يعني أن سؤال من الفاعل سقط سقوطا أبديا، وبقي مابعده، وهو كيف يمكن الإنصاف، في المقابل لم يعلن صالح والحوثي مسؤوليته واعتذاره عن أي جريمة بحق مدنيي تعز وعدن والبيضاء ومارب وغيرها، ولم ترتبط النداءات بلجنة التحقيق بأي من حالات القتل اليومي في تعز أو غيرها، بل بحوادث الطيران فقط.

لمن لايعرف فإن مجلس حقوق الإنسان بجنيف تبنى بالإجماع دعم اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان المشكلة في اليمن من قبل الحرب، وألزم المجلس مفوضية حقوق الإنسان بدعم اللجنة فنيا وتدريب كوادرها، لكن المفوضية ارتأت أن ترفض القرارين بهذا الشأن ولم تدعم بشيء لعامين متواليين، ثم فجأة قررت المطالبة بلجنة تحقيق دولية بينما وقفت حكومة هولندا التي كانت هي من بادر بطلب لجنة التحقيق موقفا محترما ودربت اللجنة الوطنية لأكثر من مرة في الأردن وحققت نتائج أحدثت فرقا كبيرا بين تقريري العام الماضي وتقرير هذا العام والذي نال رضا كثير من الجهات الدولية غير تلك التي لديها قرار مسبق منذ سنتين بضرورة لجنة تحقيق دولية.
 
لم يعلق المطالبين بلجنة تحقيق دولية على تقرير اللجنة الوطنية مطلقا، لأنهم في الأساس يدركون أن الرد سيكون مخجلا حين يجدون تقريرا محترما ضَمِن حق الضحايا وإنصافهم ولأنه يمنيا خالصا وهو الصوت المسموع هنا أو هناك وقضايا العدالة والإنصاف اللاحقة ستكون بناء على لجنة تدعمها الأطراف المُدانة نفسها.
 
اليوم إذا أردت أن تتأكد من أهداف حمى المطالبة بلجنة تحقيق فاسأل أي من هؤلاء المطالبين برأيه في تقرير اللجنة الوطنية للأشهر من سبتمبر إلى يونيو 2017 فستعرف أن الهدف ليس له علاقة بالضحايا وإنما بما سيكسبونه من وراء دم الضحايا في لوبيات المحافل والفنادق الدولية.

حين نشرت إحدى الأكاديميات كلاما عن هذا الأمر وفوجئتْ ببعض الأسئلة، اعترفت بعد حديث في مراسلات خاصة أنهم أرسلوا لها الموضوع ولم تعرف تفاصيله فقررت التفاعل دون دراية بشيء.

هناك أحداث واقعية تحرج جميع المطالبين، إحداها عدم تمكن أي جهة تابعة للأمم المتحدة من الوصول إلى تعز، بينما تمكنت اللجنة الوطنية من الوصول إلى صنعاء وحجة وتعز وعدن وعمران وذمار وصعدة وكل مكان في الخارطة، وظهرت بتقرير يحترم آلام الضحايا، بينما تحرجت الأمم المتحدة من الإفصاح عن من الذي منع أحد كبار موظفيها من دخول تعز، فهل سنثق بهؤلاء؟

لا يخفى على أحد التكاليف التشغيلية لكل منظمات الأمم المتحدة سواء السياسية أو الإنسانية، والتي في الأساس أيضا قائمة على حساب الضحايا من فقراء ومنكوبين، وكأن اليمن صار مصدر رزق لكل هؤلاء ولاينقصهم سوى لجنة ستحتاج عشرات الملايين من الدولارات لها ولمساعديها وللوبياتها ولجميع المستميتين اليوم لتشكيل اللجنة، وفي الأخير ستخرج اللجنة بتقرير يقول إن السعودية مسؤولة عن قصف صالة العزاء في صنعاء.
 
"طيب احنا عارفين ياجماعة من البداية.. كان لازم كل هذه الأموال واللفة كلها".
 
الأسوأ من هذا أنها قد تظهر بتقارير لتقول إن القذائف التي سقطت في تعز جاءت من (مصدر مجهول) كما قالت إحدى المنظمات المستميتة اليوم بضرورة تشكيل لجنة تحقيق دولية، ويمكن أن تقول التقارير إن القناصين في تعز والذين قتلوا عشرات الأطفال والنساء عمدا وهم يدركون أنهم أطفال ونساء ويشاهدونهم بمناظير قناصاتهم أثناء عبورهم أو لعبهم، يمكن أن تقول التقارير الدولية أنهم أيضا مجهولي الهوية وقد يكونوا من قبائل (الهوتو) الرواندية، لأن الحوثيين وصالح بالطبع لم يعترفوا بجريمة قط، كما اعترفت قيادة التحالف في كثير من الأحداث، وهنا لن يجدوا غريما لأن القناص لم يعترف بجريمته.
 
هكذا سيتم التعامل مع القضايا، وما تقارير تلك المنظمات (المحايدة) التي عملت في تعز وقتلت الضحايا قهرا إلا مؤشر عن أسلوب عمل لجان التحقيق الدولية.
 
في الأخير، لم يعد لدينا ترف التدويل لقضايانا، فلم تفعل الأمم المتحدة شيئا حيال المدانين أولا وأخيرا بقرارات مجلس الأمن، وهم صالح والحوثي ونجل صالح وأبو علي الحاكم وعبدالخالق الحوثي، هؤلاء تم تصنيفهم كمجرمين، بينما يفعلون اليوم مايحلوا لهم بدماء البشر والأموال، فما الذي ستفعله لجنة تحقيق أكثر مما فعل مجلس الأمن غير تصنيف هؤلاء بينما يتعامل موظفي الأمم المتحدة معهم كأنهم ملائكة ويلتقونهم ويأكلون معهم ويمولون حملاتهم الإنسانية أيضا.
 
ليس هناك لجنة أنصفت أحدا ضد أحد، وإنما أنصف الناس أنفسهم في جنوب أفريقيا بأنفسهم، ولم ينصف أحد الناس في لبنان ولا رواندا ولا موزنبيق ولا كمبوديا ولا أي بلد، وضاعت ملفات عشرات آلاف المختفين قسريا في لبنان ويمن السبعينات والثمانينات، ولم تنصف الأمم المتحدة على مر 60 عاما من عمرها أي أحد في أي قضية.
 
أما هؤلاء المتحمسين من أرباب الحياد الحقوقي الموجه، فقد فضحتهم تعز على مدى عامين، فأطفال تعز الذين فقئت عيونهم ليسوا كأطفال صنعاء، لأن هؤلاء ببارود حوثي وذلك ببارود سعودي، فالبارود السعودي موجع، لكن بارود الحوثي بردا وسلاما على أطفال تعز.
 
ما الذي فعله تدويل قضية اليمن سياسيا منذ البداية؟
 
لا شيء.. أسقط الدولة في يد مليشيا..
 
ما الذي سيفعله تدويل الملف الإنساني؟
 
لا شيء، سيعبئ جيوب المنتفعين الأمميين والنشطاء وسيخرج بما خرج به تقرير اللجنة الوطنية.
 

 حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت"   ©2017  

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر